لحظات لا يمكن استحضارها
تعبر الأيام أمامنا، ولا نستطيع أن نلمس هذا العبور، أو نُمسك به.. يمر كل يوم متسّحباً،
أو سريعاً.. ونحن إما غائبين عنه، لم نقدم له أو لنا شيئاً.. أو بعيدين عن تفسير
ذلك المرور السريع!
ولكن هل استطاع أحدنا الإمساك بتلابيب يوم يغادر؟ هل استطاع أن يعثر على أسباب
مغادرته وعدم بقائه حتى ولو طُلب منه؟
وهل بالامكان استرجاع تلك الأيام الجميلة التي مضت وإعادة الاستمتاع بها؟
وهل من الممكن ترحيل هذه الأيام المريرة والموجعة لعدم القدرة على احتمالها، ومن ثم استعادتها
إن كان لابد من ذلك في زمن آخر، نكون فيه أكثر استعداداً لتحمل الألم؟
هي الأيام لا نراها.. ولكننا نشعر، ونتعايش معها وبها. هي الأيام التي إن غادرت لا يمكن
استرجاعها... أو العثور على أي وصفة تساهم في عودة يوم مضى.
يوم ذهب وأصبح اسمه الأمس، ويوم نحن فيه، ويوم سيأتي وهو الغد، وسيتحول
إلى الأمس!
لكن من منا أمسك بالأمس، أو تهيأ جيداً للاستفادة من اليوم، أو الغد فعلياً، دون أن
يترك أياً منهم يغيب حاملاً معه صمته واختفاء بصمة ذلك الشخص الذي مر من عنده؟
من منا مارس فعلاً اسمه الاستعداد لمواجهة اليوم القادم دون أن يسقط داخله مترمّداً،
لا يعرف كيف كان ذلك؟
نحن نعرف الزمن.. وندّعي أننا نعرف تفاصيله، ونعترف جيداً بأن الأيام الذاهبة لا تعود،
وإنها عندما تغادر، لا يمكن ادعاء احضارها بعكس السير!
ونعرف أن الصفحات المقلقة، لا يمكن الاكتفاء بإحساس الرغبة في فتحها أو الحلم بخلق
الوسائل المختلفة لإعادة قراءاتها، قراءة أولى كما تم ذلك أول مرة لأن هذا التفكير يقود
حتماً إلى طرقات لا تحفل إلا
بمساحات من التردد وعدم القدرة على التعاطي بجدية مع كثير من أمور الحياة!
ومع ذلك يسعى البعض إلى استحضار اللحظة، أو لحظات الزمن الماضي، والأيام التي غادرت.
يسعى ببراءة أحياناً، وسذاجة أحياناً أخرى إلى الإصغاء لفراغ التفكير بأن يعيد الأيام
الماضية، ويحاول الاستمتاع بها مرة أخرى!
يلتقي أصدقاء بعد غياب، أو يتواصلون، أو يعتب حبيب على آخر لتغيّره، أو لرغبته
في أن يستعيد معه بعضاً من وهج الأيام التي مضت فنجد أحدهما، أو الغالبية، تتفق على
الرغبة في إعادة الأيام الماضية،
والجميلة، والاستمتاع بها، وقطف ثمارها، رغم أن ذلك لن يكون ممكناً، وأن هذه الثمار
المنتظرة ستُقطَف في أيام جديدة، ومختلفة تماماً عن الأيام التي ذهبت، ولكن هو الحلم،
وهو الأمل، وهو الرغبة في عودة ما مضى، ولكن تظل رغبة، لأن التفاصيل لا تعود كما هي،
وحتى الأيام لا تعود كما هي ولا تتشابه فيما نفعله بها، أو نمارسه في ساعاتها!
قد نحاول أن نعيد الماضي إذا أردنا لأنفسنا، أو للآخرين ولكنه ماض بحداثة اليوم، وبعمر
اليوم الذي زاد يوماً آخر، وبإحساس اليوم الذي تغيّر أيضاً، واختلف كوضع طبيعي لتغير الأيام،
فأنت تعتقد أنك أنت، والأيام هي هي، ولكن ليست الأمور كما تعتقد، فما ذهب لا يمكن
استعادته أو تعويضه، أو استيقافه، وما أسهل
العبارات، وما أكثر اكتظاظ اللغة بمفردات الأماني والرغبة في بقاء ما ذهب.
هي الأيام تغادر، وتندفع عبر فضاءات خالقها، تذهب ولا يمكن استعادتها أو استرداد
لحظة منها مهما كان الثمن الذي ستدفعه!