أطفال محرومون من التعليم وجامعيون لا يمكنهم الاستمرار
ارتفاع الأقساط الجامعية كابوساً يهدد مستقبل طلبة فلسطين
رام الله – الدستور – محمد الرنتيسي
احتل الفلسطينيون المركز الأول عربياً على صعيد نسبة انتشار التعليم خلال الستين سنة الماضية، فبالنسبة للاجئين منهم والذين يعيشون في لبنان وسوريا والأردن، شكل التعليم الطريق الوحيد لهم للخروج من دائرة الفقر، بينما ينظر الذين يعيشون في المناطق المحتلة إلى التعليم على أنه سلاحهم الأقوى الذي سيعزز صمودهم ويعينهم في معركة الوجود والحرية على طريق الوصول الى دولتهم المستقلة.
وتختلف الظروف التعليمية في المناطق الثلاث التي تحتلها إسرائيل، "القدس والضفة الغربية وقطاع غزة"، ففي الوقت الذي يشعر فيه الطلاب في القدس المحتلة بنوع من الأمن مقارنة مع نظرائهم في المناطق الأخرى، تعاني المدارس هناك الإهمال وضعف الموارد المالية اضافة الى الاكتظاظ الشديد في الغرف الدراسية، لذلك فان نحو نصف الطلاب فقط يحصلون على مقاعد لهم في المدارس الحكومية، و٤٠٪ منهم يذهبون إلى الخاصة، بينما يفتقد ١٠٪ لأي نوع من التعليم.
وتستوعب مدارس السلطة الفلسطينية ٧٠٪ من الطلاب في الضفة والقطاع، والباقي تستوعبهم مدارس وكالة الغوث "الأونروا" والمدارس الخاصة.
وفي الوقت الذي يجد فيه الطلاب والمعلمون في الضفة الغربية أن عليهم المرور عبر ٦٠٠ حاجز عسكري ونقطة تفتيش إسرائيلية في الطريق نحو المدارس، يعجز زملاءهم في قطاع غزة عن الوصول الى أماكن تعليمهم وتدريسهم لقلة الوقود وعدم توفر ميزانيات كافية للمدارس بسبب الحصار الجائر، فضلا عما سببته الحرب الأخيرة من هدم وتدمير لعدد من المدارس والمؤسسات التعليمية.
ويتسبب العدوان الاسرائيلي المتواصل وحظر التجول والتقييد في حركة المواطنين اضافة الى الاقتصاد المحطم في ترك العديد من الأطفال في الأراضي الفلسطينية المحتلة خارج نطاق التعليم.
التقرير التالي، يرصد واقع التعليم في فلسطين مع بدء الفصل الدراسي الثاني للعام الحالي، ويسلط الضوء على كافة جوانبه.. لنقرأ.
محرومون من الحق في التعليم
بحسب وزارة التربية والتعليم الفلسطينية فإنه خلال السنوات الماضية التي شهدت أعنف مراحل انتفاضة الأقصى الحالية، وتحديا خلال الفترة من (2001 – 2003)، عانى (197600) طالب و(9300) معلم فلسطيني من التقطع في دوامهم المدرسي، وتعرضت (580) مدرسة على الأقل للإغلاق، كما عانى نحو (317000) طالب، من أصل (1.2) مليون طفل فلسطيني في سن المدرسة وعائلاتهم من ضائقة مالية، وخاصة في قطاع غزة الذي تسوده أوضاع الفقر، ما اضطر الكثيرين منهم للالتحاق بسوق العمل المعدوم أصلاً.
ومع أن أغلب الطلاب الفلسطينيين تمكنوا من العودة إلى مدارسهم خلال الفترة المذكورة، الا أن القيود المفروضة على حركة التنقل استدعت الأهالي لإيجاد نظام تعلمي غير رسمي أحياناً، حيث تلقى العديد من الطلبة الفلسطينيين في تلك الفترة التعليم من قبل أهاليهم، اما في المنازل واما في صفوف بديلة مؤقتة كالمساجد والأحياء.
وحتى يومنا هذا لا يزال الأطفال الفلسطينيون "الأسرى" محرومون من حقهم في التعلم، حيث يتلقى بعضهم التعليم من زملائهم البالغون، دون توفر مناهج دراسية فلسطينية أو أية كتب دراسية، ودون مراعاة للسن والفروقات الفردية بينهم، هذا في حال جمعهم السجن مع من هم أكبر منهم، أما الأطفال المعزولون في سجن "تلموند" الاسرائيلي الخاص بالقاصرين (10 – 14) عاما فلا يتلقون تعليما على الإطلاق.
وتشكل الأوضاع المادية الصعبة لغالبية الفلسطينيين وقلة مصادر الدخل السبب الرئيس وراء حرمان آلاف الأطفال وحتى الشباب من التعليم، خاصة في ظل ارتفاع الأقساط بالنسبة للتعليم الجامعي.
المواطن عماد الحاج صالح من رام الله قال في حديث خاص لـ"الدستور" أن طفلته "لجين" 6 سنوات، لم تتمكن من الذهاب الى المدرسة كباقي أطفال العالم، في أول أيام العام الدراسي، نظرا لعدم توفر رسوم الدراسة وتكاليف شراء ما يلزمها من قرطاسية وملابس.
وأوضح الحاج صالح أنه فضل عدم ذهاب ابنته لبضعة ايام الى المدرسة تجنبا لاحراجها أمام زميلاتها اللواتي لبسن لباس المدرسة وتجهزن بكل ما يلزم من قرطاسية وحقائب.
وأضاف بنبرة حزينة: "لولا قلة الحيلة، لذهبت لجين مع زميلاتها الى المدرسة من أول يوم ولعاشت الفرحة كغيرها"، مشيرا الى أنه اضطر لاستدانة بعض المال لتأمين ما يلزم لالتحاق لجين للمدرسة.
أما طالبة الطب المتفوقة آيات أبو الحسن من بلدة اليامون بمحافظة جنين، فتعيش حالة من الخوف والقلق على مسقبلها الأكاديمي مع اقتراب موعد الفصل الدراسي الثاني الذي يأتي وأسرتها لا تزال عاجزة عن توفير مبلغ (2000) دولار، وهو قيمة القسط الجامعي، الأمر الذي يهدد بحرمانها من استئناف الدراسة وضياع مستقبلها.
وكانت آيات التحقت بجامعة النجاح الوطنية، تخصص الطب البشري، بعدما حصلت على معدل (97،8%) في الفرع العلمي، حيث حلت بالمركز الأول في مدرسة اليامون الثانوية، والخامس في محافظة جنين، لكنها لم تحصل على منحة جامعية، سواء من الجامعة أو من المحافظة أو حتى من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رغم أنها تستحق ذلك بجدارة، كما تقول عائلتها.
ورغم خيبة أملها وصدمتها جراء ذلك تقول آيات: "وقفت أسرتي ووالدي الى جانبي، ورغم الظروف الصعبة، وخاصة أن والدي عاطل عن العمل ويعيل أسرة مكونة من 6 أفراد، ولا يملك اي مصدر رزق، وتمكنا من توفير القسط للفصل الدراسي الأول، حتى لا تضيع الفرصة ولا أفقد حقي في متابعة التعليم الجامعي بانتظار انفراج الحال في المرحلة القادمة".
أما والد آيات الذي سعى جاهدا للحصول على منحة لابنته فيقول: "لقد شكل نجاح آيات فرحة كبيرة لعائلتنا لأنها تحدت الصعاب وحققت أملنا في الحصول على معدل متميز، لذلك تحملنا كل المصاعب والظروف القاسية لنضمن مقعدها الجامعي ودراسة الطب، خاصة وأنها أول أبنائي الذين يتقدمون للثانوية العامة"
ويضيف: "حافظت آيات خلال الفصل الدراسي الأول على سمات التفوق والنجاح، ما جعل عائلتنا تعتز وتفتخر بها، ولكن المشكلة التي تواجهنا هي مشكلة الأقساط والرسوم المالية المرتفعة، وقد توجهنا للعديد من المؤسسات والجمعيات والجهات المختصة ومن بينها وزارة التربية والتلعيم العالي لتلمس حالة آيات وتقدير وضعنا وعجزنا عن توفير المبلغ المطلوب للفصل الثاني لكن دون جدوى".
إحصاء: 124 ألف أمي في فلسطين
ورغم الانخفاض المستمر في أعداد الأميين في فلسطين المحتلة، إلا أن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، قدّر عدد الأميين في الأراضي الفلسطينية مع نهاية العام الحالي بحدود 124 ألف أمي فلسطيني.
وبحسب الجهاز فان معدل الأمية في فلسطين انخفض عن آخر احصائية له في العام 1994، بنسبة 61 %.
يقول لؤي شبانة، رئيس جهاز الاحصاء الفلسطيني "إن معدلات الأمية بين البالغين في فلسطين تعد من اقل المعدلات في العالم"، موضحاً أن نسبة الأمية بلغت بين الأفراد 15 سنة فأكثر 1،6 % بواقع 8،2 % للذكور و5،9 % للإناث في عام 2007، في حين بلغت 5،27 % في الدول العربية في الأعوام 2005-2007 حسب بيانات معهد اليونسكو للإحصاء.
ويشير شبانة إلى أن هناك انخفاضا ملموساً في نسب الأمية بعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 1994، حيث بلغت نسبة الأمية بين الأفراد 15 سنة فأكثر 7،15 % في عام 1995، وانخفضت إلى 1،6 % في عام 2007.
وفي هذا الخصوص افاد الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني في آخر تقرير له حول الأمية في فلسطين، أنه على الرغم من انخفاض معدل الأمية بمقدار 61 بالمائة منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 إلا أنه يوجد في فلسطين حالياً 124 الف أمي في فلسطين 77 بالمائة منهم نساء.
واشار التقرير الصادر عشية اليوم العالمي لمحو الأمية الى انه حسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" يعرف الشخص الأمي بأنه "هو الشخص الذي لا يستطيع ان يقرأ ويكتب جملة بسيطة عن حياته"، موضحاً ان معدلات الأمية بين البالغين في فلسطين تعد من اقل المعدلات في العالم.
كابوس الأقساط الجامعية
ويعاني طلاب الجامعات الفلسطينية وخاصة في الضفة الغربية من مشكلة متجددة باتت تشكل هاجساً يرهق كاهلهم، لا سيما في ظل تردي الوضع الاقتصادي وازدياد حالة الفقر في المجتمع الفلسطيني.
هذه المشكلة والتي تتمثل في الرسوم الجامعية، أصبحت عقبة رئيسية تحول دون اكمال الكثير من الطلاب دراستهم الجامعية أو البدء بها.
فما أن يبدأ التسجيل للفصل الدراسي حتى تبدأ المعاناة، ولهذا فقد باتت الغالبية العظمى من الطلاب غير قادرة على تسديد هذه الرسوم".
الطالبة سلام محمد من مدينة نابلس تقول: "لا كل ما يتمنى المرء يدركه، فقد حصلت على معدل مرتفع في الثانوية العامة، ولكن لم استطع الحصول على ما آمله وهو الالتحاق باحدى الجامعات الفلسطينية".
وأضافت سلام: "حصلت على معدل 94% في الفرع العلمي، وكان طموحي أن أدخل كلية الهندسة في جامعة النجاح، الا أن ظروف عائلتي الاقتصادية لم تسمح لي بالالتحاق بكلية الهندسة نتيجة ارتفاع رسوم الساعات الدراسية في هذا التخصص"، مؤكدة أنه لم يكن أمامها سوى دراسة تخصص آخر لم تكن ترغب فيه، لكنها فضلت الحصول على شهادة جامعية في أي تخصص أفضل من لا شيء.
وتتابع سلام: "منذ كنت طفلة وأنا أحلم باليوم الذي اصبح فيه مهندسة، لكن الظروف عاكستني وأجبرتني أن أدرس اي شيء حتى استطيع في النهاية مساعدة أسرتي، فوالدي لا يعمل منذ عامين بسبب مرضه، وأنا أكبر أخوتي، ووالدتي تعمل في حضانة للأطفال وهي بالكاد تؤمن لنا مستلزمات الحياة الأساسية".
أما هدى حسين من طولكرم التي تدرس في جامعة النجاح الوطنية بنابلس، فهي ليست أفضل حالاً من زملائها، حيث اعتبرت الرسوم الجامعية كابوساً مزعجاً بالنسبة للطلاب، وخاصة الفقراء منهم.
وأوضحت أنها تدرس في الجامعة مع شقيقين آخرين، ورغم أنها أشارت الى التخفيض الذي تتمتع به من قبل الجامعة نظراً لوجود أشقاء لها في الجامعة، الا أنها أكدت أن هذا التخفيض لا يحل المشكلة بكاملها، متمنية أن تجد هذه المشكلة حلولاً منصفة.
وحول ماهية هذه الحلول من وجهة نظرها، طرحت الطالبة رانية من بيت لحم امكانية تخفيض الرسوم الجامعية لا سيما وأن الجامعات تتلقى مساعدات.
وقالت: "لماذا لا يكون هناك تخفيض في قيمة الرسوم، أو حتى مجانية التعليم، من أجل افساح المجال لكافة الطلاب لاكمال دراستهم الجامعية، وحتى لا يحرموا من التعليم".
أما الطالب عبد اللطيف حمد من جنين فلم يكن له خيار سوى أن يقوم بتأجيل الفصل الدراسي والذهاب الى اسرائيل للعمل، لتوفير القسط المقبل وما بعده.
ويقول عبد اللطيف: "هذه ليست المرة الأولى التي أقوم بتأجيل الفصل الدراسي فيها، كما أني لست الأول ولا الأخير الذي يفعل ذلك، فهذه المرة لم يكن لدي المبلغ الكافي للتسجيل بعد ارتفاع أقساط الجامعة، فاضطررت للتأجيل لتوفير القسط والمصروف الخاص به خلال هذا الفصل".
ولم ينف عبد اللطيف استفادة الكثير من الطلاب من القروض الجامعية، لكنه أكد أن هذه القروض لا تشمل كل الطلاب، هذا فضلاً عن كونها لا تغطي نسبة كبيرة من قيمة الرسوم، مشيراً الى أن هذه القروض كانت في السابق تغطي 75% من قيمة الرسوم، لكنها تقلصت فيما بعد الى 50%، والآن لا تصل الى نسب مرتفعة، فغالباً ما تكون بين 20 و35%، عدا عن تدخل جهات مثل وزارة التعليم العالي في تحديد قيمة القرض ولمن سيعطى.
نقلا عن: صحيفة الدستور الأردنية
بقلم: مراسل الصحيفة في رام الله محمد الرنتيسي
