| بداية العهد الروماني للقدس | |
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
جريح الأيام إدارة المـــنـــتــدي
الجنس : عدد المساهمات : 19868 العمر : 35 العمل/الترفيه : ولا أشي والحمد الله المزاج : رايق
| موضوع: بداية العهد الروماني للقدس الخميس أكتوبر 14, 2010 8:55 pm | |
| بداية العهد الروماني للقدس
المرحلة الرومانية في تاريخ القدس (63 ق.م – 637م) أهم في تأثيرها على المدينة من المراحل العبرية والكلدانية (البابلية) والفارسية، فقد صارت القدس مع الرومان – حتى في اسمها - شيئا آخر غير ما كانت عليه في أيام هذه الدول، بل إن فلسطين نفسها اكتسبت اسمها التاريخي من خلال الرومان، الذين نسبوها إلى "البالستين" - الشعب الأوروبي الكريتي المهاجر إلى أرض كنعان. والقائد الذي بدأ معه التاريخ الروماني للقدس هو "بومبي"، وهو - كان خلال القرن الأول قبل الميلاد - أحد الثلاثة الكبار المتنافسين على السلطة في روما (كراسوس وبومبي ويوليوس قيصر)، وكان قد حقق لروما إنجازات مهمة؛ فشارك في القضاء على ثورة العبيد بقيادة سبارتكوس (73 – 71 ق.م)، كما طهر مياه شرق البحر المتوسط من القراصنة سنة 67 ق.م، كذلك سيطر على أرمينيا سنة 65 ق.م، وضمن ولاءها له ولشعب روما.. ثم نقل بومبي نشاطه الحربي إلى سوريا وفلسطين، فأعاد ملِكَ سوريا السلوقيَّ أنطيوخوس الثالث عشر إلى عرشه، كملك موالٍ لروما، ولكن أنطيوخوس لم يستطع ضبط أمور سوريا، فأزاحه بومبي عن الحكم، وضم سوريا وفينيقيا إلى روما كولاية واحدة (ولاية سوريا = Provincia Syria).. وكان من الطبيعي أن تكون فلسطين هي المرحلة التالية في هذه الرحلة الحربية لبومبي، وكانت الظروف القائمة مهيَّأَة لذلك تماما؛ وذلك لأن الخصومات الداخلية بين هركانوس الثاني بن حنايوس - ملك أورشليم – وبين أخيه أرستوبولس قد اشتدت، وطال الصراع الدامي بينهما، وطلب كلاهما العون من الرومان، وفضل بومبي مساندة هركانوس؛ لأن أخاه كان متعاطفا مع البارثيين (في خراسان) أعداء روما. زحف الرومان بقيادة بومبي على فلسطين سنة 63 ق.م، وحاصروا القدس، لكن المدينة التي استعصت على الآشوريين من قبل لم تكن فريسة سهلة، فقد اشتهرت طوال تاريخها بمناعة أسوارها، وقوة دفاعاتها، ومعاونة موقعها وظروفها الطبيعية لمن فيها على الدفاع عنها.. ومع أنه كان متوقعا بقوة أن تسقط القدس بصورة طبيعية في يد بومبي، لو اتبع في حصارها سياسة النَفَس الطويل، إلا أن الخيانة عجّلت بالقضية، فاقتحمها الرومان بخيانة داخلية من بعض اليهود..
ودنس بومبي بيت العبادة في أورشليم، وأفقد اليهود استقلالهم؛ إذ ترك هركانوس كاهنا فقط على قومه، يرعى شئونهم الدينية، وبقيت حامية رومانية في المدينة تضمن بقاءها تابعة لروما. وبهذا يبدأ التاريخ الروماني للقدس وفلسطين، والذي استمر زمنا طويلا، ومنح القدس سمتا جديدا، بقي مسيطِرًا إلى أن فتح المسلمون المنطقة، حيث التأم لأول مرة في التاريخ شمل عرب القدس القدماء – بعد اختلاطهم الكبير بالشعوب الغازية والنازحة – مع إخوانهم من عرب الجزيرة الذين حملوا إليهم مشعل الهداية الربانية.
حين كانت مريم بنت عمران ( عليها السلام ) صبيةً صغيرة في كفالة نبي الله زكريا ( عليه السلام ) رأى بعينيه كيف يأتي رزق الله إلى خلقه، ويتنزل فضله على عباده، بدون هذه الأسباب التي اعتادها الناس، فكان كلما دخل على مريم محراب العبادة: يتفقد أحوالها، وينظر في شئونها، وجد رزق الله عندها وفيرا، فيسألها عن مصدر ذلك، لعل إنسانا خيّرا مر بها فأعطاها إياه، ولكن مريم أخبرته بأنه رزق مباشر أتاها من الله: (..كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (سورة آل عمران: 37).. هنالك رغب زكريا ( عليه السلام ) في رزق الله وفضله، وكان قد طعن في السن، ويئس من مجيء الولد. وسجل القرآن على لسانه علامات الكبر والشيخوخة التي لحقته فقال الله - تعالى - عنه: ( قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِياًّ) (سورة مريم: 4)، ولا شك أن وهن العظام واشتعال الرأس بالشيب يشيران إلى سن عالية لصاحبهما، ولعل هذا ما دفع ابن كثير إلى القول: " قيل: كان عمره إذ ذاك سبعا وسبعين سنة، والأشبه - والله أعلم - أنه كان أسن من ذلك". ومع ذلك فلو رضينا بأن سن زكريا ( عليه السلام ) كانت (حين دعا ربه بأن يرزقه الولد) سبعا وسبعين سنة، وأضفنا عدة سنوات أخرى كانت باقية على ميلاد عيسى ( عليه السلام ) فسنجد أن النبي الكريم زكريا وُلد قبل الميلاد ببضع وثمانين سنة، ومعنى ذلك هو أنه عاصر فترة انزواء مُلك بني إسرائيل، وذهاب استقلالهم، وسيطرة الرومان على القدس، فقد كان ابن بضعة عشر عاما حين دخل القائد الروماني بومبي بيت المقدس سنة 63 ق.م، ودنس بيت عبادة بني إسرائيل.. لقد صار بنو إسرائيل في القرن الأول قبل الميلاد جُزُرا متقاطعة، وأصبحت قلة قليلة منهم تسير على هَدْي التوراة الصحيحة التي نزلت على موسى ( عليه السلام ) والتي لا شك أن نسخا صحيحة منها كانت متوافرة حينئذ، لكن لم يكن ثمة اتفاق عليها بين طوائف العبرانيين – فيما يبدو. وفي دعاء زكريا وسؤاله الولد يقول مناجيا الله تعالى: (وَإِنِّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِياًّ (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِياًّ) (سورة مريم: 5 – 6)، وهذا يفيد أن الفساد في زمنه قد عم في بني إسرائيل، حتى لم يجد زكريا ( عليه السلام ) فيهم أحدا يصلح لخلافته في قومه؛ يرشدهم ويدلهم، ويقوم فيهم مقام الأنبياء. لقد كانت فترة تمزُّق جماعي، وفساد فردي واجتماعي، انقسم فيها مجتمع بني إسرائيل، ورفضوا الانصياع للتعاليم التي جاء بها الأنبياء، واستنجدت الطوائف اليهودية المتناحرة في القدس ويهودا بالعدو الروماني المتربص من قريب. ولا ندري شيئا عن موقف سيدنا زكريا ونصائحه لقومه حين اختلفوا، لكنه بالتأكيد توجه إليهم – كنبي لا يرضى بالمنكر – ناصحا وموجِّها، ولعله ذكرهم بمصير آبائهم الذين عصوا الله فمسخهم قردة وخنازير، ودعاهم إلى الاعتبار بمن سبق من أسلافهم، والانتفاع بسيرتهم.. وربما كان تواضع حرفة نبي الله زكريا التي يكسب منها قوته (جاء في الحديث الصحيح: "كان زكريا نجارا" - رواه مسلم) سببا من أسباب صد بني إسرائيل عنه، فقد قالوا عن طالوت من قبل - في أيامٍ أفضلَ لهم من أيام زكريا: (.. قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ ..) (سورة البقرة: 247). لم يستطع زكريا ولا ابنه يحيى ( عليهما السلام ) صد طغيان بني إسرائيل، وبالتالي لم يستطيعا رد حكم السنن والنواميس الإلهية عنهم، فكانت هذه مرحلة انسلاخهم من الدين السماوي الذي أنزله الله، وتمت واكتملت مع بعثة المسيح عيسى ( عليه السلام ).. وهذه المرحلة نفسها هي مرحلة الانطفاء التام بالنسبة لبني إسرائيل، والتحول بالنبوة عنهم، فقد كان زكريا ويحيى وعيسى ( عليهم السلام ) آخر ثلاثة أنبياء في بني إسرائيل، وتعرضوا جميعا لمحاولات يهودية للقتل، أما عيسى فقد نجاه الله، وأما زكريا فيُروى أنهم نشروه في شجرة فمات، وأما يحيى فالمشهور أنه قُتل مهرًا لبغي.. يقول ابن كثير: "اختُلف في مقتل يحيى بن زكريا: هل كان في المسجد الأقصى أم بغيره؟ - على قولين: فقال الثوري عن الأعمش عن شمر بن عطية قال: قُتل على الصخرة التي ببيت المقدس سبعون نبيا؛ منهم يحيى بن زكريا - عليه السلام".
ورث الرومان جيرانهم الإغريق، وظلت جيوش روما تزحف على ممتلكاتهم، حتى انتزعتها جميعا من أيديهم؛ سواء أكانت هذه الممتلكات في أوروبا أم إفريقيا أم آسيا. لكن الحضارة المنتصرة كانت فقيرة في ثقافتها وفكرها، فانصاعت للمغلوب في هذه الناحية، وهُزمت أمام ثقافته الثرية، وكان هذا مثالا عجيبا وقليل الحدوث لانتصار المغلوب على من غلبه، بدون سيف أو مدفع!! وهذا يعني بالنسبة لفلسطين وأشباهها من البلاد التي دخلت تحت حكم الرومان وسلطانهم، أن الحكم الجديد سيكون – من الناحية الثقافية على الأقل - مواصَلة للمرحلة اليونانية بشقيها البطلمي والسلوقي، بل ربما قلنا: إن فلسطين وسوريا ومصر وغيرها من مناطق النفوذ اليوناني السابق هي الميادين التي هُزم فيها الرومان ثقافيا، وتلوّنوا بلون الفكر والثقافة اليونانية. حين دخل الرومان فلسطين وجدوا حالة حضارية نادرة؛ لم تشهدها المنطقة من قبل، فقد جرى خلال قرنين ونصف القرن من الزمان تلاقح حضاري كامل بين سكان فلسطين وبين الغزاة اليونانيين، فنشأ شعب اختلطت فيه دماء الكنعانيين والآموريين (= شعب سامي عاش منذ الألف الثاني قبل الميلاد في سوريا وشمال العراق) واليونانيين، وتمازجت ثقافة الغزاة بثقافات أهل البلاد، فنشأت ثقافة جديدة لا هي يونانية خالصة (هللينية) ولا هي شرقية خالصة، بل هي مزيج منهما (هللينستية)، وتداخلت الأديان، حتى بُنيت معابد تجمع آلهة اليونان مع آلهة الكنعانيين، بل تجمع يهوه إله اليهود مع آلهة اليونان في داخل القدس نفسها.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: أيهما ابتلع الآخر: الكنعانيون والفينيقيون - أهل البلاد الأصليون – أم اليونانيون – الغزاة؟ وللإجابة عن هذا السؤال الخطير لابد أن نذكر أولا أن الغزاة لم يُقبلوا بالعدد الذي يسمح لهم بابتلاع سكان فلسطين عرقيا، لكنهم جاءوا حكاما غالبين وفي أيديهم ثقافة أقوى مما في يد أهل فلسطين، لذلك نستطيع أن نقول: إن الشعوب السامية قد ابتلعت عامة الغزاة عرقيًا، ولوّنت الحكام القادمين بلونها، لكن الثقافة الغازية انتصرت بشكل ساحق، وإن خالطتها أمشاج من ثقافات الشرق، منحتها مذاقًا آخر جديدًا. لقد خالف اليونان سُنَّة من سبقهم من الكلدان (البابليين) والآشوريين والفرس، حيث بدا هؤلاء دائمًا كطبقة غريبة ومميزة عن أهل البلاد التي يحتلونها، لكن اليونانيين منذ الإسكندر ركزوا على الاختلاط بهذه الشعوب ومصاهرتها؛ لينفتح الطريق أمامهم ثقافيًا وسياسيًا. ومن أفضل ما يصوّر التأثير الإغريقي العميق في فلسطين وسوريا قول أحد الدارسين: "لقد كانت عملية أغرقة الشام عملية ثقافية وعمرانية بحتة؛ أي مادية روحية، فقد استوعب سكان الشام الآراميون اللغة الإغريقية العامة kion ، وكذلك طريقةَ الحياة والسلوك والمعيشة الإغريقية، والتي انتشرت خاصة بين الفئات الأرستقراطية من الشرقيين، والذين تلقوا تعليمًا رفيعًا على يد أساتذة إغريق أو متأغرقين. ولم يكن انتشار الحضارة الإغريقية وقفًا على مناطق المدن ومراكز الحضارة والعمران، التي أسسها المستوطنون المقدونيون والإغريق، بل وصلت إلى المدن الآرامية والفينيقية والكنعانية. حتى بيت المقدس – أورشليم تسللت إليه الحضارة الإغريقية، فقد أصبح لكل مدينة في الشام دار للتريبة؛ أي جمانزيوم Gymnasion ، وهذه كانت مراكز للنشاط الثقافي والحضاري الإغريقي.. "وأمام هذا الاكتساح الجارف للحضارة الإغريقية تراجعت الحضارات السامية، سواء أكانت كنعانية أم آرامية أم عبرية؛ لتحتمي في معاقل لها في المناطق الريفية النائية، أو في مناطق المرتفعات الجبلية، وظلت في هذه المعاقل تدافع عن بقائها حتى بعد الفتح العربي.. ولم تلبث الحضارات الآرامية والكنعانية أن بدأت تتسلل لتمتزج بالحضارة الإغريقية، وساعد على ذلك اتجاه الإغريق إلى الزواج من آراميات وكنعانيات، فقد كان أغلب الجنود والمستوطنين بلا زوجات، ونادرا ما كانوا يجلبون زوجات من مقدونيا أو بلاد اليونان.. ونتيجة لذلك ظهر جيل من الآراميين المتأغرقين، أو الإغريق الآراميين، والكنعانيين الذين يجمعون بين الحضارتين لغة وعقيدة، ويتوجهون بالعبادة للآلهة الآرامية والكنعانية والفينيقية، بعد أن أضفوا عليها الصفات الإغريقية، مثل الأسماء والمظهر، وأطلقوا عليها أسماء إغريقية مثل زيوس الأولمبي.." ا.هـ.
كانت القدس حديثة عهد بالغزو الرومي لها حين تحولت الدولة الرومانية من جمهورية يحكمها السناتو Snato (مجلس الشيوخ) إلى إمبراطورية يمسك بمقاليدها شخص واحد، هو الإمبراطور (سنة 30 ق.م). ويُعَد هذا واحدا من الأحداث الكبرى في تاريخ الدولة الرومانية، مثله مثل انقسام هذه الدولة إلى اثنتين (شرقية وغربية) بعد بضعة قرون. دخلت قوات بومبي القدس سنة 63 ق.م، وأُلغيت الجمهورية في الدولة الرومانية سنة 30 ق.م، فكان بين الحادثين ثلث قرن، جرت فيه أحداث ضخمة؛ سواءٌ فيما يتعلق بالدولة الرومانية عامة، أم بالقدس وفلسطين خاصة.. انفرد يوليوس قيصر بحكم الدولة الرومانية – يؤيده السناتو – بعد مقتل منافسه القوي بومبي – أول فاتح روماني للقدس - سنة 48 ق.م، وانتهاء الحرب الأهلية الرومانية سنة 46 ق.م.. وفي أثناء هذه الأحداث شن قيصر حملة على مصر، لقي فيها معونة من أنتيباتر الأدومي – معاون هركانوس ملك القدس السابق وكاهنها بعد اقتحام قوات بومبي لها – وكان أنتيباتر قد أشرفَ من قبل على إحدى الفرق العسكرية التي تحقق على يدها انتصار الرومان على المكابيين حكام القدس.. فكافأه قيصر على معونته له بجباية فلسطين كلها، بما فيها القدس، كما كسب أنتيباتر لليهود بعض الامتيازات من الرومان، لكن اليهود – على الرغم من ذلك – لم يكونوا يستريحون إلى هذه الشخصية الماكرة.. واليهود لا يعدون الأدوميين منهم، بل هم – عندهم – من نسل عيسو أخي يعقوب ( عليه السلام ) وليسوا إسرائيليين، وإن أُخضعوا بالقوة منذ سنة 125 ق.م لاتّباع مذهب اليهود. وقد حكم فلسطين أنتيباتر الأدوميُّ ومن بعده ابنُه هيرود الكبير، وظل اليهود ينظرون إليهما نظرة ريبة وعدم اطمئنان، على الرغم من كل ما قدّماه لليهود من أعمال وخدمات، مع تظاهرهما باتباع اليهودية. كانت فترة حكم أنتيباتر لفلسطين والقدس فترة انتقالية، ولَّى فيها ابنَه الأكبر فاسيلّ نائبا له على القدس، وابنَه الآخر هيرود على الجليل، يدرّبهما على أمور الحكم، وكانت هذه الأسرة كاملة الإخلاص والولاء للروم، مع إظهارهم اعتناق اليهودية. وفي أثناء ولاية أنتيباتر على فلسطين قُتل يوليوس قيصر (سنة 44 ق.م)، ولقي أنتيباتر نفس المصير في العام التالي، ليخلفه ابنه الثاني هيرود، الذي يُعَد واحدا من أهم حكام القدس القدماء وأوسعهم شهرة.
مات أنتيباتر والد هيرود قتيلا سنة 34 ق.م، وهذا – بالتأكيد – يعني أن قياد فلسطين لن يسلس لهيرود – خليفته وابنه الثاني الذي كان نائبا له على الجليل – وبالفعل تذكر المرويات اليهودية أن البقية الباقية من البيت المكابي تعاونت مع طائفة الفريسيين تحت قيادة أنتيجونس المكابي لطرد الرومان وأعوانهم من القدس، ونجحوا في طردهم من جنوب فلسطين (مملكة يهودا السابقة)، واستقلوا بدولتهم من جديد، وكانت هذه آخر مرة تستقل فيها دولة يهودية في القدس حتى القرن العشرين الميلادي.. تحرك هيرود بجيش يضم جنودا من الرومان والأدوميين والسوريين، تحت إشراف من مارك أنطونيو في روما. وتقدم الجيش نحو القدس حتى ضرب عليها الحصار، ولم يقدم هيرود على هدم أسوار المدينة، وأعانه حاكم سوريا من قبل الرومان "سوسيس".. وناضل أنتيجونس المكابي ومن معه عن القدس، لكن الحصار استمر، ووقع القتال في الأطراف، حتى اقتحم هيرود المدينة، وجرى القتال في شوارعها وداخل مكان العبادة اليهودي الذي هدّمه القتال، وانتهت المقاومة تماما، وانفرد هيرود بالحكم سنة 37 ق.م. بانتهاء الحرب ثُبِّت هيرود في موضع أبيه كملِك على فلسطين مفوَّض من قِبل الرومان، وبقي في منصبه ثلاثة وثلاثين عاما (37 ق.م – 4م)، وُلد في أواخرها النبي الكريم – عيسى ابن مريم ( عليه السلام ) وأظهر الوالي الأدومي في فترة حكمه دموية وجبروتا كبيرين، وتناقضا غير قليل في شخصيته بسبب محاولته الموازنة بين علاقته بالرومان وعلاقته باليهود معا. كان هيرود يظهر أنه يهودي، وفي نفس الوقت ينشر بحماسة ثقافة الرومان في فلسطين، ويقيم معابد وثنية في القدس ومدن فلسطين؛ تقربا إلى سادته من الرومان. ويُنسب إليه إقامة الهيكل اليهودي آخر مرة. وفي العصر الحديث كتب الصحفي اليهودي "آحاد هاعام" (سنة 1897) يشبِّه حكم الأدوميين بالدولة التي أزمعت الحركة الصهيونيةالمعاصرة إقامتها في فلسطين، فقال: "يحدثنا التاريخ أنه في أيام بيت هيرود كانت فلسطين دولة يهودية، لكن الثقافة القومية كانت موضع احتقار واضطهاد، وقد بذل البيت الحاكم قصارى جهده لبذر الثقافة الرومانية في البلد، وبعثروا موارد الأمة في بناء معابد الوثنية والمدرجات وما إلى ذلك. إن مثل هذه الدولة اليهودية سوف تنشر الموت والمهانة لشعبنا. إن مثل هذه الدولة لن تحقق القدر الكافي من السلطة السياسية التي تؤهلها للاحترام، بينما ستبتعد عن القوة الروحية الداخلية للعقيدة اليهودية. إن هذه الدولة المسخ ستتأرجح كالكرة بين جيرانها الأقوياء، وستحافظ على وجودها فقط عنطريق التحايل الدبلوماسي وعن طريق التزلف للدول الكبرى".
إلى جانب شهرته بالدموية والجبروت - حتى قتل زوجته وابنيه - عُرف هيرود الكبير بكثرة ما شيده في فلسطين من المعابد والملاعب والمدن، وأشهر ذلك على الإطلاق ما قيل عن بدئه في بناء الهيكل سنة 20 ق. م لآخر مرة في التاريخ.. واليهود يزعمون أن حائط البراق (يسمَّى عندهم حائط المبكى أو جدار المناحة) هو من بقايا الهيكل السليماني الذي أقامه هيرود مكان المسجد الأقصى، ويجادلون في ذلك أشد الجدل، حتى صار هيرود هذا – برغم ما فعله في التعاليم والثقافة اليهودية وأتباعهما – شخصا يميل إليه اليهود المعاصرون بعاطفتهم..
ولكن التاريخ وعلم الآثار ينفيان صحة الزعم اليهودي تماما، فكل المرويات الإسلامية تؤكد أن مكان الحرم عند الفتح العمري للقدس كان خاليا من البناء، وقد حوَّله الرومان إلى "مزبلة" مهجورة. وقد سجل المؤرخون المسلمون ذلك في وقت لم يكن ينافسهم فيه أحد على امتلاك القدس، فلم يكونوا بحاجة إلى سَوق الأدلة والحجج على حقهم فيها. وأيضا ليس من العقل أن يظل هذا الجدار قائما وحده قرابة ستة قرون رومانية، دون أن يفكر أحد في هدمه، وقد كان هناك من حوافز العداوة بين اليهود والرومان ما يكفي لهدمه مرارا وتكرارا.. ومواصفات الحائط تؤكد أنه يصعب أن يظل قائما وحده طوال هذا الزمن، كما أنه يبدو جزءا من كل، لا نشازا يخالف ما حوله، فهذا الجدار (في الجنوب الغربي من سور الحرم القدسي الشريف) طوله 48 مترًا وارتفاعه 17 مترًا.. وإلى جانبه رصيف عرضه 3.35 أمتار، تسامح المسلمون مع اليهود فتركوهم يَبكون وينتحبون عنده؛ فأسموه حائط المبكى، وادعوا أنه بقايا بناء هيرود للهيكل. وقد أيدت لجنة عالمية شُكلت أيام الانتداب البريطاني سنة 1930م أنه من أملاك المسلمين. كان هيرود مولعًا بأعمال البناء والتشييد على النمط الإغريقي، فجدد سور القدس، وبنى فيه أبراجا، ووسع المدينة حتى بلغت 140 أكرًا (الأكر مقياس للمساحة أقل من الفدان، ويساوي 4000م2 تقريبا)، وأقام في فلسطين مدنا كقيصرية، وشيّد الكثير من المعابد لآلهة اليونان والرومان، فعزَّز ما سعى إليه البطالمة والسلوقيون قبلَه من صبغ البلاد التي يحتلونها بصبغتهم.
أثناء حكم هيرود الكبير وُلد خاتمة أنبياء بني إسرائيل عيسى ابن مريم ( عليه السلام ) وقد وقع الغربيون في خطأ تاريخي كبير عند تحديدهم سنةَ ولادته، واضطر العالَم بعد ذلك إلى التسليم له، ففي سنة 532م دعا الراهب دينوسيس الصغير إلى التأريخ بميلاد المسيح ( عليه السلام ) وقدَّر الحساب بدون تدقيق، فأخطأ في بضع سنوات (يذهب البعض إلى أنها سبع والبعض الآخر إلى أنها أربع سنوات)، وحين أدرك الناسُ هذا الخطأ تعذّر عليهم التصحيح، فتركوه كما هو. وُلد عيسى ( عليه السلام ) بصورة غير معتادة في ولادة البشر؛ ليكون آية للناس على قدرة الله، ورحمةً للبشر بمنهجه الذي أُرسل به. وجاءت ولادته في بيت لحم الواقعة إلى الجنوب من مدينة القدس بمسافة 10 كم، وتتبع لواء القدس، وترتفع عن سطح البحر 777 مترًا، وتحيط بها تلالٌ تَكْسُوها أشجار الزيتون واللوز والكروم. وكانت في القديم قرية تكتنفها الأودية العميقة من الشرق والغرب والجنوب. وقد ذكر القرآن قصة ولادة عيسى ( عليه السلام ) بتفصيل تام؛ لما حدث حولها من خلاف أدى إلى نشوء عقائد ومذاهب جديدة مازال يعتنقها الملايين من البشر، وكأن هذه هي شهادة القرآن حول حادث ضل فيه كثيرون؛ لكي لا يكون للناس على الله حجة بعد البيان.. يقول الله تعالى في سورة مريم: { وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً (16) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِياًّ (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِياًّ (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِياًّ (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِياًّ (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِياًّ (21) فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِياًّ (22) فَأَجَاءَهَا المَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِياًّ (23) فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِياًّ (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِياًّ (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إِنسِياًّ (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِياًّ (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِياًّ (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المَهْدِ صَبِياًّ (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِياًّ (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياًّ } (سورة مريم: 16 – 31). هذا، وللمسيح ( عليه السلام ) صلة عميقة ببيت المقدس، فهنالك عاش، ودعا الناس إلى التوحيد، وهناك أبان لهم أنه عبد الله ورسوله.. وقد حاولت بيزنطة المسيحية تتبُّع الأماكن التي اعتقدوا أن للمسيح فيها ذكريات لتخليدها، وجاء ذلك بعد ثلاثة قرون كاملة من المسيح، فكان لابد من الوقوع في أخطاء فادحة.. يقول كُتّاب "قاموس الكتاب المقدس": "توجد في أورشليم أماكن كثيرة يربطها التقليد بحوادث في حياة يسوع المسيح، ولكن لا يمكن التثبت إلا من القليل منها على وجه التحقيق.. ويقول التقليد إن كنيسة القيامة مقامة فوق مكان الصلب ومكان قبر يسوع المسيح، ولكن يظن بعض العلماء أن موضع هذين المكانين غير معروف، ويقول بعض العلماء: إن موضعهما يقع إلى الشمال من الأسوار الحالية".
كان المجتمع اليهودي في تعامله مع الرومان منقسمًا على نفسه، بين ممالئ لهم متعاون معهم، وبين كاره لسلطانهم ووثنيتهم، يحافظ على بقايا من دعوات الأنبياء. وحين أظهر المسيح ( عليه السلام ) دعوته ازداد الحاسدون المنافقون الذين يتعاونون مع الروم، ومن الطبيعي أن يكون أكثر هؤلاء من أحبار اليهود الخائفين على سلطانهم أن يزيله هذا الفتى العظيم، الذي جاءهم يقول – كما حكى القرآن: { وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَأُحْيِي المَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} (سورة آل عمران: 49 – 51)، فتعاون الخائفون على سلطانهم حكاما وأحبارًا على الخلاص من النبي الكريم، ولكن الله تعالى نجّاه منهم. كان هذا الحادث من كبار حوادث تاريخ القدس أثرًا في العالم؛ لما بُني عليه من عقيدة الفداء التي قامت عليها المسيحية كلها، بعد أن فسر بولس - المقتول حوالي سنة 67م – عقيدة المسيح تفسيرا آخر تماما غير ما كان يقوله المسيح – عليه السلام. كان الرومان حينئذ قد وضعوا ولاية فلسطين - منذ سنة 29م - في يد رجل قاس هو بيلاطس البنطي، واتخذ بيلاطس من المدينة الجديدة - التي بناها سلفه هيرود – "قيصرية" قاعدة لحكمه، وقد تآمر اليهود معه على نبي الله عيسى ( عليه السلام ) ووجدها هو فرصة ليضمن ولاء هؤلاء المشاغبين له، وسعت شرطته إلى إيقاع النبي الكريم في يد أعدائه اليهود. وكانوا قد ظنوا حينئذ أنهم متى أرادوا قتل نبي قتلوه، ولم يمنعهم من ذلك أحد، حتى الذي أرسله! ولكن الله تعالى كما افتتح حياة عبده الصالح "المسيح" بآية من آيات قدرته، فقد ختمها أيضا بآية من هذه الآيات، قال تعالى عن اليهود: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا(157) بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (سورة النساء: 157 – 158). لم يجد عيسى ( عليه السلام ) في مجتمع القدس وفلسطين من يجيب دعوته إلا نفرا قليلا من الحواريين، مما يعني أن الانتقال بالخير والنبوة من بني إسرائيل إلى غيرهم صار أمرًا لابد منه؛ ليعتدل حال البشرية، ويستقيم ميزان الحياة الإنسانية، ولكن النبوة الجديدة لم تأتِ إلا بعد حوالي ستة قرون، أكّدت أن البشرية لا غنى لها عن الوحي والعون الإلهي. وكان التقاء الأنبياء أولِهم وآخرِهم ليلة الإسراء وفي رحلة المعراج علامة وحدة وأخوة عميقة شهدتها القدس ورحاب حرمها الشريف، كما شهدتها السموات.
بعد موت هيرود الكبير (سنة 4م) تبعت القدس حكم الرومان مباشرة، ومنذ سنة 14م تولى أمر فلسطين جابٍ صغير، وتولاها سنة 29م بيلاطس البنطي الشهير، لكنه لم يمكث في منصبه سوى سنوات قلائل، فقيل إنه مات منتحرا، وقيل بل نفاه الرومان إلى بلاد الغال (فرنسا) حيث مات. وجدد الرومان ثقتهم في الأسرة الأدومية، ووجدوا في هيرود أغريبا - حفيد هيرود الكبير - مَن يصلح لولاية فلسطين. وكان هذا الرجل ممن تربوا في روما، وشربوا عادات الإمبراطورية، ونشأوا على الولاء لها. ونجد أخباره وأخبار ابنه هيرود أغريبا الثاني في "أعمال الرسل" من العهد الجديد، فنروي ما فيه، ونكل علمه إلى الله تعالى. أما هيرود أغريبا الأول، فقد ولته روما سنة 37م على بعض الأنحاء، ثم وسَّعت سلطته حتى نصّبته ملكا على فلسطين سنة 41م، ومع أنه – حسب الرواية التي لا ندري أنها صحيحة بغير شك – قد مات سريعا سنة 44م، حيث أكله الدود لادعائه الألوهية – مع ذلك فالمؤرخ اليهودي الشهير يوسفوس ينسب إليه أنه أقام سورا جديدا بالجهة الشمالية للقدس، وأدمج الطرف الجنوبي للتل الغربي في المدينة، فاتسعت كثيرا عما كانت عليه في عهد جده هيرود، حتى صارت مساحتها 310 أكرات (الأكر “Acre”مقياس للمساحة أقل من الفدان، ويساوي 4000م2 تقريبا). بعد وفاة هيرود أغريبا السريعة وُضعت القدس وفلسطين تحت الوصاية الرومانية من جديد، ورفضت روما أن تولي هيرود أغريبا الثاني عقب وفاة أبيه؛ لحداثة سنه، فواصل إقامته في روما، حتى حظي عندها، وولّته مَلكا على فلسطين وبعضِ مناطق لبنان الداخلية. وحين تولى إمبراطور روما الطاغية نيرون عرش روما (54 – 68م)، وسّع من مناطق سلطة هيرود أغريبا، الذي بقي في منصبه حتى دمر القائد الروماني تيطس القدس سنة 70م. وإلى فترة حكم أغريبا الثاني يُنسَب إتمام بناء ما يسمى بالهيكل (سنة 64م)، الذي كان هيرود الكبير - جد أبيه - قد بدأ في إقامته سنة 20م. وقد اعتنى المؤرخ اليهودي المجرَّح في روايته "يوسفوس" بأخبار هذا البناء، فمساحته ضوعفت، وجاء بناءه بالصخور البيضاء، وارتفع سطحه أكثر من بناء سليمان..
في بداية الحكم الروماني لفلسطين، بدا اليهود بقايا أمة تدعي لنفسها التميّز، ولكنها لا تملك لذلك أسبابا، ولا تقدم عللا مقنعة بهذا التميز، فقط هم الشعب المميز أو "المختار" الذي التصق به هذا الفضل، ولن ينفصل عنه، مهما زاغ عن طريق الصالحين من الآباء، وسار على نهج الكافرين والملحدين منهم. وفي الوقت نفسه كان الرومان يولون على فلسطين وجوها قبيحة سفاكة للدماء، فكان ذلك مدعاة لإثارة الكثير من القلاقل، خاصة في القدس. والحقيقة أن المصادر قلّما تحدثنا عن تاريخ غير اليهود بالقدس طوال بضعة قرون قبل الميلاد، وبضعة قرون أخرى بعده، فيبدو تاريخ القدس أثناء هذه الفترة على أنه صراع بين اليهود وبين الغزاة من البابليين والآشوريين واليونان والرومان، أو انفراد من الغزاة بالقدس بعد نفي اليهود منها، وكأنهذا النفي مرحلة مؤقتة لابد أن تنتهي بالعودة اليهودية!! وهذا نقصٌ شنيع في المصادر، أتاح لليهود فرصة رسم التاريخ كما شاءوا، من خلال مصادرهم التي لا يرقى مستوى الكثير من محتواها إلى مقام الفلكلور الشعبي الذي حُشي بروايات لا وزن لها!! والمشكلة أن الكثير من المسلمين يأخذون بهذه المرويات وبالقراءات اليهودية المنحازة للمكتشفات الأثرية الفلسطينية على أنها شيء مسلَّم!! وعند العودة إلى التدمير الروماني للقدس، سنجد أن الرومان قد ولوا على فلسطين وجوها قبيحة تسلطت على رقاب العباد، واهتمت بجمع المال والثروة، يقول المؤرخون عن أحدهم: "كان ألبينوس يقبل الرشوة من كل ناحية، ولا يترك في السجن سفاحا يستطيع أن يدفع له ثمن حريته، ويسمح للمتنافسين من رؤساء الكهنة أن يخوضوا معاركهم في الشوارع، ويجرب بنفسه التلصص وقطع الطريق. ولكن حتى ألبينوس هذا كان ملكا عادلا إذا قيس بخلفه جيسيوس فلورس (64 – 66م)، ذلك الذي بدأ بسلب الأفراد وقتلهم، ثم انتهى بتدمير المدن برمتها، ولم يكن على قطّاع الطرق جرم طالما ظفر فلورس بنصيبه من الغنيمة"!! كان هذا حال الحكام الوثنيين الذين ولاهم الرومان أمر القدس وفلسطين، فلم يكن لهم دين يعلّمهم، أو شرع يوجّههم، وأما اليهود فقد كان لديهم من تراث الآباء وهَدْي الأنبياء ما هو كفيل بإنقاذهم لو راعوه وعملوا به!! ولم يكتفوا بالبعد عن الحق، بل حاربوا أهله، وشنوا حربا على أتباعه أوقدوا نيرانها أكثر مما فعل الرومان، وكان اضطهاد المسيح ( عليه السلام ) وأتباعه من أبرز الأمثلة على ذلك. من هنا بدت الساحة وفي الصورة فريقان كلاهما خاطئ، تعاونا على وأد الحق، وافتنّا في مخالفة الحَسَن من الأخلاق والقويم من العقيدة، فسلط الله قويَّهم (الرومان) على ضعيفهم (اليهود)، وذلك أن اليهود ثاروا على شدة الوالي الروماني "فلورس"، وذبحوا الحامية الرومانية في القدس عام 66م. اهتزت هيبة الرومان بهذه المذبحة وغيرها في أنحاء فلسطين، فوجهوا سنة 67م جيشا للانتقام عدته 60 ألف مقاتل، ويقوده فسباسيان – الذي سيصير إمبراطورًا على روما بعد عامين من بدء الحملة – واشتدت وطأة الجيش الزاحف، لكنه وجد صعوبات في طريقه، حتى وصل إلى أسوار القدس، وفي هذه الأثناء (سنة 69م) وقعت أحداث على مستوى الدولة الرومانية الكبيرة، تدخلت أثناءها فرق الجنود الرومان في سوريا، ووضعوا قائد الحملة فسباسيان إمبراطورا على الدولة الكبيرة. لم ينس الإمبراطور الجديد أن يترك على الحملة قائدا قويا لتحقيق الهدف منها، فكان هذا القائد هو ابنه تيطس الذي حاصر القدس من الخارج، ونار الفتنة والخلاف بين فرق اليهود تشتعل في داخلها، وآلام الجوع والوباء والقتل تتصاعد، حتى نقب الرومان الحصون، ودخلوا المدينة، ونيران الحقد لاغتيال حامياتهم في فلسطين تتحكم في مشاعرهم، فدمروا وقتلوا، وسيطروا على بيت عبادة بني إسرائيل. انتهت هذه الأحداث – كما تذكر رواية يوسفوس المؤرخ اليهودي الذي شارك إلى جانب الرومان في معارك شمال فلسطين – انتهت بالاستيلاء على القدس في أغسطس سنة 70م، ولكن ميل المجموعات اليهودية إلى صنع القلاقل والثورات كان كامنا في نفوسهم، خاصة بعد أن نوى الإمبراطور الروماني إيليوس هادريانوس سنة 132م إقامة مدينة جديدة في القدس، تأخذ طابع الوثنية التي يعتنقها، وحال بين اليهود وبين تأدية طقوسهم التعبدية في القدس، فخرج رجل يهودي اسمه "بركحفا"، وادعى أنه المسيح الذي ينتظره اليهود، وتزعم الثورة ضد الرومان، واستطاع بالفعل طرد الرومان، وبقي مستقلا ثلاث سنوات، حيث جرد له هادريانوس حملة قوية استطاعت عام 135م أن تدمر مئات القرى، وتسقط عشرات القلاع، وتسحق بركحفا ومن معه، وتدمر المدينة المباركة (القدس) وبيت عبادة بني إسرائيل، حيث صارت المدينة خاوية على عروشها.
وحُرِّم دخول القدس على مَنْ بقي من اليهود بعد الحرب، وشتت الرومان جموعهم، "ولم تعد هناك جماعات يهودية في ضواحي المدينة". وفي احتفال بالحدث في روما، صُنع للقائد الظافر تيطس قوس النصر، ونُقشت عليه بعض مشاهد ما جرى – وما زال هذا الأثر باقيا –يبدو فيه مشهد أسلاب الحرب والأواني الذهبية والشمعدان اليهودي الشهير. (د. عبد الحميد زايد: القدس الخالدة صـ 145 وما بعدها، وهامرتن وآخرون: تاريخ العالم؛ الفصل 69 صـ 655)
"كان من أقدر الرجال الذين شغلوا منصب الإمبراطور على مر التاريخ" – هذا هو إيليوس هادريانوس، الذي زار القدس واطلع على أحوالها سنة 130م، وأزمع سنة 132م أن يبنيها من جديد، لا كمدينة أنبياءَ يُعبد فيها اللهُ الواحد، ولكن كمدينة وثنية تخلّد ذكر الإمبراطور، وحين وقف بعض اليهود في طريقه أنهى الوجود اليهودي في القدس، وهدم المدينة المباركة سنة 135م. اختار إيليوس هادريانوس للإشراف على بناء مدينته الجديدة أحد رجاله المخلصين له، المسمى "روفوس تيمايوس"، واختار للمدينة اسم "إيليا كابيتولينا"؛ أي "مدينة إيليوس"؛ تخليدا لاسمه، وكان من عادة أباطرة روما أن يسموا المدن التي يشيدونها بأسمائهم، كما سيفعل قسطنطين الكبير عند بنائه القسطنطينية في القرن الرابع للميلاد. أُقيمت إيلياء على الطراز الروماني، وضمت معابد وثنية ومسرحا، وحُفرت لها بِركة ماء، وشُيّد فيها سوقان وتجمعات سكنية.. يقول أحد الباحثين عن هادريانوس: إنه "بنى معبد جوبيتر على أنقاض المعبد القديم، وأقام تمثالا لنفسه أمام المعبد، كما أقام أيضا معبدا لفينوس.. وبُنيت أسوار إيليا لتضم المدينة القديمة الحالية، واستثنى منها مدينة داود، في القسم الجنوبي للحافة الشرقية، وكذلك جبل صهيون الحالي على التل الجنوبي الغربي". هذا، وقد كشفت الحفريات في القدس وحولها عن العديد من العناصر المعمارية التي ترجع إلى عصر الرومان، "ولكنها لا تكفي لإعطائنا صورة واضحة عن التخطيط القديم للمدينة الرومانية". وقد بقي اسم إيلياء علما على المدينة المباركة طوال الفترة الرومانية والبيزنطية، واستخدمه العرب والمسلمون، وورد في بعض أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – ولكنه سرعان ما اختفى في أعقاب الفتح الإسلامي، وحلت محله الأسماء العربية الإسلامية المشرقة، مثل: القدس، وبيت المقدس..
هذا التحول من الوثنية إلى المسيحية جاء حسب تأويل شاول (بولس) للرسالة السماوية، لا كما جاء بها عيسى ( عليه السلام ) لكنه كان تحولا من كبار التحولات في تاريخ أوروبا والشرق، وكان له تأثير مهم في تاريخ القدس.. ففي سنة 313م اختار الإمبراطور الروماني قسطنطين الكبير (ت 337م) المسيحية ديانة رسمية لدولته، وكان شكلُ الديانة الجديد قد أعطى النبيَّ الكريم عيسى ( عليه السلام ) موقعا مركزيا في الكون كلِّه، فلم يصر عندهم عبدًا لله – كما هو الحق – ولكنه عُدَّ ابنا للخالق – سبحانه وتعالى – مما يراه الكثيرون من دارسي المسيحية تصالحا بين الوثنية وبين الديانة الجديدة، حيث يصبح الإنسان المتميِّز وسط التركيب الاجتماعي القائم ابنا للإله الأعظم، كما هو الحال عند المصريين القدماء واليونان والرومان وغيرهم. وما دام المسيح قد وُضع هذا الموضع، فلابد أن تكون للأماكن التي يعتقد المسيحيون أنه عاش فيها قداسة خاصة، فعدوا إيلياء كلها مدينة مقدسة "مدينة الرب"، وجعلوها موضعا يحجون إليه من أرجاء الدنيا، وإن بقيت بعض المدن – حسب قرارات مجمع نيقية سنة 336م - في منزلة أهم منها وأكثر قداسة، وهي: روما وأنطاكية والإسكندرية، حيث قامت في كل واحدة منها بطريركية كبيرة، في حين بقيت القدس مجرد أَسقُفِّيّة، حتى جاء مجمع خلقدونيا المسكوني سنة 451م، فرفع إيلياء "القدس" والقسطنطينية إلى درجة البطريركية. لقد كان للتحول الروماني إلى المسيحية تأثير كبير في القدس والعالم، فبعد أن كانت هذه الدولة المترامية الأطراف مضطهِدةً لأتباع المسيح ( عليه السلام ) صارت حامية وممثلة لهم، كما أن إيلياء "القدس" التي أقامها إيليوس هادريانوس للمعبودات الرومانية واليونانية الوثنية، قد لبست زيَّ المسيحية الجديدة، وبنى الرومان فيها الكنائس منذ زمن مبكر لاعتناقهم هذه الديانة، وإن كان ذلك بعد المسيح ( عليه السلام ) بثلاثة قرون كاملة. وأشهر الشخصيات التي شاركت في إقامة الصروح المسيحية في القدس هي "هيلانة" - والدة قسطنطين الكبير - التي عُدَّت قديسة لهذا السبب، فيذكر المؤرخون أن مكاريوس – مطران إيلياء – قابل الإمبراطورة هيلانة، وحدثها عن الحالة السيئة للمدينة، ولابد أنه ذكّرها بأنها "مدينة المسيح"، فقامت الإمبراطورة بزيارة تاريخية إلى القدس سنة 326م، واطلعت على حالها من قريب، وعاينت مع المطران مكاريوس ما ظنا أنها أماكن ارتادها المسيح، أو كانت له فيها بعض المواقف، وبنت كنيسةَ القيامة في الموضع الذي ظنا أنه المكان الذي دُفن فيه المصلوب، واعتقدا أنه قام منه بعد الدفن. وقد شكك دارسو العهدين القديم والجديد في دقة هذا الاختيار، فقالوا: "توجد في أورشليم أماكن كثيرة يربطها التقليد بحوادث في حياة يسوع المسيح، ولكن لا يمكن التثبت إلا من القليل منها على وجه التحقيق.. ويقول التقليد إن كنيسة القيامة مقامة فوق مكان الصلب ومكان قبر يسوع المسيح، ولكن يظن بعض العلماء أن موضع هذين المكانين غير معروف، ويقول بعض العلماء: إن موضعهما يقع إلى الشمال من الأسوار الحالية". وقد أقام أباطرة الرومان في القدس كنائس أخرى، مثلما فعلت الإمبراطورة أيودكسا في منتصف القرن الخامس الميلادي، كما شيدوا في المدينة صروحا كثيرة، مثل دار ضيافة الحجاج الأجانب ودار ضيافة الفقراء المرضى في الزاوية الجنوبية الشرقية للقدس الرومانية، وتُنسب الداران إلى الإمبراطور جستنيان (ت 565م)، وقد كُشف عن بقاياهما حديثا.
آخر قوتين تنافستا على السلطان في العالم قبل انتشار الإسلام هما: الفرس الساسانيون والروم البيزنطيون، وقد كانت الوقائع بينهما ساخنة في السنوات الأولى للإسلام، فحين كان المسلمون مضيَّقا عليهم في مكة وشِعابها، وقعت معارك كبيرة بين الفرس والروم حُسمت أولا لصالح الفرس في وقعة حربية حامية في فلسطين.. وقد استطاع الفرس في مراحل الصراع المتتابعة الاستيلاء على مدن مهمة، كدمشق (سنة 610م)، ولكن وعورة الطرق الشامية، والوقتَ الطويل الذي كانت تقضيه الجيوش في حصار المدن – أخّرا السيطرة الفارسية على القدس إلى سنة 615م، حيث وقعت بأرض فلسطين تلك المعركة التي أشار إليها القرآن الكريم في صدر سورة الروم، وذكر أن الروم بعد هزيمتهم ستَرْجَح كِفَّتهم على الفرس في لقاء حربي آخر لن يتأخر موعده عن بضع سنين (أي 9 أو 10 سنوات على الأكثر).. يقول تعالى: {الم. غُلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبهم سيَغلبون. في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد..} (سورة الروم: 1 - 4). تقول الروايات: إن القائد الفارسي الذي تولى الاستيلاء على القدس هذه المرة يدعى "خوريام"، الذي كان ينطلق من مقره في قيصرية، وقد تيقنت بقايا اليهود في بيت المقدس من قوة الزحف الفارسي، فأعدوا لتسليم المدينة للفرس، وغلبوا النصارى على أمرهم، فدخلت خيول فارس مدينة بيت المقدس بعون يهودي. ولكن لم تمر سوى بضعة شهور حتى كان نصارى بيت المقدس يثورون ضد الفرس، ويقتلون قادتهم، ويسيطرون على القدس من جديد.. وهنا جاء قائد فارسي آخر (هو شاه ورز) ليستعيد المدينة من الروم، فضرب عليها الحصار، ووجد من اليهود عونا جديدا وكبيرا على هدم الأسوار، حتى نجح بعد تسعة عشر يوما من الحصار في دخول القدس، ووقعت مقتلة عظيمة في صفوف الروم (مايو سنة 615م)، هلك فيها كثير من الرهبان والراهبات.. وقضى الفرس واحدا وعشرين يوما في القدس بعد أن سيطروا عليها، لم يكن فيها إلا القتل والتنكيل والنهب والإحراق، حتى خربوا كنيسة القيامة وغيرها من الكنائس، وجردوها من كنوزها، واستولوا على صليب الصلبوت المقدس لدى النصارى، وأُسر من الروم وأعوانهم عدد هائل، كان اليهود يشترون بعضهم ليستمتعوا بقتلهم!! وكانت المفاجأة أن الوفاق لم يدم بين الفرس واليهود، فأُبعد اليهود عن القدس، ورضي الفرس أن يعيد النصارى إعمار كنائسهم ففعلوا، وسُجِّل ذلك في خطاب تاريخي من رئيس الجماعة المسيحية في فلسطين "مودستوس" إلى "كومتاس" – نظيره في أرمينيا - فقال: "لقد جعل الله أعداءنا أصدقاء، وأنزل الرحمة والرضوان في قلوب غزاتنا، على حين أن اليهود الذين اجترءوا على معاداة هذه الأماكن الشريفة وإحراقها قد شردهم الله من البلد المقدس، وقُدِّر عليهم ألا ينزلوا به ولا يروه، وقد أُرجعت فيه بيوت العبادة إلى سابق عزها ومجدها.. لقد عادت كل كنائس بيت المقدس إلى سابق سيرتها؛ تصلي فيها القسس، ويسود السلام على مدينة الله وما حولها".
لم تتوقف حوافر الخيول الفارسية عن السياحة فوق أرض الروم وغزوها عند حدود الشام، بل امتدت إلى مصر، ووصلت إلى آسيا الصغرى وساحل البوسفور المواجه للقسطنطينية نفسها. ومع أن الفرس أتاحوا للنصارى فرصة ممارسة شعائرهم وإعمار كنائسهم في القدس، إلا أن كسرى عمد إلى إذلال رءوس الروم، حتى القيصر هرقل نفسه، وأرسل إلى هرقل مع أحد رسله يقول: "قل لمولاك إن دولة الروم من أرضي، وما هو إلا عاص ثائر وعبد آبق، ولن أمنحه سلاما حتى يترك عبادة الصليب ويعبد الشمس"!! أغضب هذا هرقل، وبعد أن كان مستسلما هو وقومه لقدر الوقوع في يد الفرس، إذا به يهب نفسه لافتداء "الصليب المقدس"، ويحشد مائة وعشرين ألفا من قومه، ويتحرك للقائهم في نفس عام هجرة النبي – صلى الله عليه وسلم – من مكة إلى المدينة؛ أي عام 622م.. وقد كان المسلمون ومشركو مكة على السواء يرقبون الموقف، ويتابعون أخبار الأحداث وتطوراتها في حرب طاحنة متوقعة، فقد ذكر القرآن أن الروم سيعودون بعد هزيمتهم الأولى ليذوقوا طعم النصر، وتراهن بعض المسلمين وبعض المشركين على من سينتصر، ومال كل فريق إلى تشجيع طرف من الطرفين؛ فأما المشركون فمالوا إلى الفرس لمشابهتهم لهم في وثنيتهم، وأما المسلمون فمالوا إلى الروم أهل الكتاب مثلهم. وجرى القتال في مواضع مختلفة؛ مثل قليقيا وطرابزون، واشتعلت المعارك طوال ست سنوات، حتى حُسمت لصالح الروم عندما استولوا على دستجرد (على بعد 80 ميلا من المدائن عاصمة كسرى) في فبراير سنة 628م. وقد غمرت السعادة والفرحة هرقل والروم، خاصة لاستعادتهم ما يسمى "الصليب المقدس"، وسار هرقل على قدميه حاجا من حمص إلى بيت المقدس، حيث قرر أن يكون احتفاله بالنصر الكبير على الفرس، وليعيد الصليب المذكور إلى كنيسة القيامة. وقيل إن كتاب النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – إلى هرقل يدعوه وقومَه إلى الإسلام – قد وصل إلى يد هرقل أثناء هذه الرحلة.ولم ينس الروم الانتقام من اليهود، فنفاهم هرقل خارج القدس، ومنعهم من العودة إليها أو الاقتراب منها إلى مسافة ثلاثة أميال من الأسوار، بل قيل إنه قتلهم "حتى لم يبق منهم أحد في دولة الروم ومصر والشام إلا من هرب أو اختفى". [b]
|
|
| |
أمير الحب المراقب العام
الجنس : عدد المساهمات : 10549 العمر : 35 الموقع : تايه بدنيا الحب العمل/الترفيه : موظف المزاج : رايق كتير
| موضوع: رد: بداية العهد الروماني للقدس الخميس أكتوبر 14, 2010 10:17 pm | |
| |
|
| |
جريح الأيام إدارة المـــنـــتــدي
الجنس : عدد المساهمات : 19868 العمر : 35 العمل/الترفيه : ولا أشي والحمد الله المزاج : رايق
| موضوع: رد: بداية العهد الروماني للقدس الجمعة أكتوبر 15, 2010 7:44 pm | |
| |
|
| |
الجنرال أحمد سليم عضو مميز
الجنس : عدد المساهمات : 690 العمر : 33 العمل/الترفيه : عاشق الوطن المزاج : الحمد الله تمام
| موضوع: رد: بداية العهد الروماني للقدس الأربعاء نوفمبر 03, 2010 5:32 am | |
| |
|
| |
روعة الإحساس المراقيه عامه
الجنس : عدد المساهمات : 7999 الموقع : بعالم آخر غير معروف العمل/الترفيه : بمرفأ ذكرياتي..... المزاج : عالآخر
| موضوع: رد: بداية العهد الروماني للقدس الإثنين نوفمبر 08, 2010 3:14 pm | |
| |
|
| |
جريح الأيام إدارة المـــنـــتــدي
الجنس : عدد المساهمات : 19868 العمر : 35 العمل/الترفيه : ولا أشي والحمد الله المزاج : رايق
| موضوع: رد: بداية العهد الروماني للقدس الأحد نوفمبر 21, 2010 11:56 pm | |
| |
|
| |
همسـَـۃ إ حـ๛ـأ๛ مراقب
الجنس : عدد المساهمات : 2702 العمر : 33 العمل/الترفيه : طالبه المزاج : رايقه
| موضوع: رد: بداية العهد الروماني للقدس الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 1:27 am | |
| الله يعطيك الف عافيه على الموضوع الروعه |
|
| |
جريح الأيام إدارة المـــنـــتــدي
الجنس : عدد المساهمات : 19868 العمر : 35 العمل/الترفيه : ولا أشي والحمد الله المزاج : رايق
| موضوع: رد: بداية العهد الروماني للقدس الجمعة نوفمبر 26, 2010 7:16 pm | |
| مشكورة همسة احساس على مورك
احترامي |
|
| |
الاسير أمــــن المــنتدى
الجنس : عدد المساهمات : 14392 العمر : 43 الموقع : https://samt-azekrayat.yoo7.com/profile.forum?mode=editprofile العمل/الترفيه : موظف المزاج : اشي من الاخر
| موضوع: رد: بداية العهد الروماني للقدس الأربعاء مارس 16, 2011 9:06 pm | |
| |
|
| |
جريح الأيام إدارة المـــنـــتــدي
الجنس : عدد المساهمات : 19868 العمر : 35 العمل/الترفيه : ولا أشي والحمد الله المزاج : رايق
| موضوع: رد: بداية العهد الروماني للقدس الخميس مارس 17, 2011 11:01 pm | |
| يسلمووو اسير منور بوجودك
تحياتي الك |
|
| |
| بداية العهد الروماني للقدس | |
|