الفصل الثامن
في أحكام قضاء شهر رمضان
وبقية أحكام الصوم
(مسألة 102): لا يجب قضاء ما فات من الصيام في زمن الصبا، أو في حال الجنون أو الإغماء، أو الكفر الأصلي، ويجب قضاء ما فات من الصيام لحيض، أو نفاس، أو نوم، أو سكر، أو مرض أو غير ذلك. والأحوط وجوباً قضاء ما فات الكافر المرتد حال ارتداده.
(مسألة 103): المخالف إذا استبصر فإن كان قد صام على طبق مذهبه أو مذهب غيره مع تأتي قصد القربة منه ولو تقصيراً، فلا يجب عليه إعادته. نعم إذا لم يصم قبل استبصاره وجب عليه القضاء.
(مسألة 104): إذا شك في أنه هل صام يوماً من شهر رمضان أو أكثر، أو لم يصم بنى على أنه قد صام. نعم إذا رجع شكه إلى احتمال كونه مسافراً أو مريضاً، وكان مسبوقاً بالسفر أو المرض فالأحوط وجوباً قضاء ما يشك في أدائه. بخلاف ما إذا لم يكن مسبوقاً بالسفر أو المرض، فإنه يبني على أنه قد صام ولا يجب القضاء. وهكذا إذا علم أنه قد فاته الصيام وشك في عدد الأيام الفائتة فإنه يبني على الأقل، إلا إذا رجع شكه إلى الشك في السفر أو المرض فيأتي التفصيل المتقدم.
(مسألة 105): لا يجوز تأخير قضاء شهر رمضان عن شهر رمضان اللاحق، وإذا أخره مع القدرة عليه أثم ووجبت عليه الفدية ويبقى في ذمته، لكن يكون موسعاً إلى آخر العمر.
(مسألة 106): إذا كان عليه أيام من شهر رمضان معين لا يجب الترتيب بينها في القضاء، ولا التعيين، بل لو عيّن لم يتعين، وكذا إذا كان عليه أيام من أشهر متعددة.
(مسألة 107): إذا كان عليه قضاء شهر رمضان من سنته ـ التي تجب المبادرة إليها ـ وقضاء شهر رمضان من سنة سابقة ـ لا تجب المبادرة إليها ـ لم يقع عن خصوص أحدهما إلا بقصده وتعيين الصوم له. ومع عدم التعيين يصح الصوم، وتبرأ ذمته بالمقدار الذي أتى به، من دون أن يتعين لأحدهما، وحينئذٍ لا تفرغ ذمته من كل من الشهرين ـ السابق واللاحق ـ إلا بالإتيان بما يستوعبهما معاً.
(مسألة 108): إذا وجبت المبادرة لأحد الصومين دون الآخر، فصام الذي لا تجب المبادرة إليه دون الذي تجب المبادرة إليه صح صومه وأثم بتأخيره لما تجب المبادرة له.
(مسألة 109): لا ترتيب بين صوم القضاء وغيره من أقسام الصوم الواجب كالكفارة والنذر، فله تقديم أيهما شاء.
(مسألة 110): إذا لم يصم المكلف لمرض، أو حيض، أو نفاس، ومات في أثناء السنة قبل أن يتمكن من القضاء لم يجب القضاء عنه.
(مسألة 111): من فاته شهر رمضان لعذر واستمر به العذر إلى شهر رمضان الثاني، فله صورتان:
الاُولى: أن يفطر للعذر الاضطراري كالمرض، والحيض، والنفاس، والسفر الذي يضطر إليه ـ ويستمر معذوراً بعذر اضطراري أيضاً ـ وحكمها سقوط القضاء ووجوب الفدية بدله، نعم يستحب القضاء بعد ذلك. ولا فرق في الحكم المذكور بين استمرار عذر واحد كالمرض، وتعاقب أعذار متعددة. إذ المدار على تعذر القضاء في أثناء السنة.
الثانية: أن يفطر للعذر الاختياري كالسفر الاختياري، وكالحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا لم يضر بهما الصوم ولا بولدهما ـ حيث يجوز لهما الإفطار ولا يجب، كما تقدم ـ وحكمها بقاء وجوب الصوم في السنين اللاحقة على الأحوط وجوباً ووجوب الفدية. وكذا الحال إذا أفطر لعذر اضطراري واستمر به العذر الاختياري أو تخلل في أثناء السنة.
(مسألة 112): من تمكن من القضاء في أثناء السنة ولم يقض تهاوناً ولو بتخيل استمرار القدرة عليه فعجز حتى دخل شهر رمضان الثاني، ثبت القضاء في ذمته، ووجبت عليه الفدية ـ بمُد من طعام لكل يوم ـ لتركه المبادرة إلى القضاء في أثناء السنة. ولا فرق في ذلك بين أن يكون وجوب القضاء بسبب الإفطار عصياناً، أو لعذر من سفر وغيره. وعلى هذا فمن تعمد الإفطار سنين متعددة وجب عليه القضاء وكفارة الإفطار والفدية لتركه القضاء في أثناء السنة.
(مسألة 113): إذا أخّر قضاء شهر رمضان واحد سنين متعددة لم يجب عليه إلا فدية واحدة للسنة الاُولى.
(مسألة 114): يجوز للمكلف في قضاء شهر رمضان الإفطار قبل الزوال مع سعة وقت القضاء، ويحرم مع ضيق الوقت، لكن لا كفارة فيه. أما الإفطار بعد الزوال فلا يجوز له مطلقاً حتى مع سعة وقت القضاء، وقد تقدم أن فيه الكفارة.
(مسألة 115): يحرم الإفطار بعد الزوال في كل صوم وجب بعنوان كونه صوماً، كصوم عشرة أيام بدل الهدي، وصوم الكفارة المرتبة، لكن لا تجب فيه الكفارة. كما أنه يجوز فيه الإفطار قبل الزوال. أما الصوم المنذور الموسع والإجارة ونحوهما مما وجب بعنوان آخر غير الصوم فيجوز فيه الإفطار متى شاء. وكذا الحال في صوم الكفارة المخيرة والصوم المندوب.
(مسألة 116): يجوز إعطاء فدية أيام متعددة من شهر واحد، ومن شهور متعددة إلى فقير واحد.
(مسألة 117): تجب فدية شهر رمضان على الشخص نفسه، ولا يتحملها عنه المعيل به، ولا من وجبت نفقته عليه، فلا يتحملها الزوج عن زوجته ولا الأب عن ولده.
(مسألة 118): لا تجزى القيمة في الفدية، بل لابد من إعطاء الطعام إلى الفقير، وكذا الحكم في الكفارات، نعم تفترق الكفارات في الاجتزاء فيها بالإشباع، ولا يجزى ذلك في الفدية.
(مسألة 119): إذا انشغلت ذمة الرجل بصوم فمات قبل الإتيان به وجب على وليه قضاؤه عنه، سواء فاته تسامحاً أم لعذر يجب معه القضاء، نعم لابد من كون الميت عازماً قبل موته على القضاء وإن لم يقض تسويفاً. أما إذا كان متمرداً غير عازم عليه فالظاهر عدم وجوب القضاء عنه. كما لا يجب القضاء عن المرأة.
(مسألة 120): إذا فاته ما لا يجب قضاؤه لم يجب على وليه القضاء.
(مسألة 121): المراد بالولي هو الوارث الذكر، من دون فرق بين طبقات الميراث. ولا يجب القضاء على الإناث، وقد تقدم في قضاء الصلاة بعض الفروع المتعلقة بذلك فإنهما من باب واحد.
(مسألة 122): القاضي عن غيره لا يلحقه حكم القضاء عن نفسه، فيجوز له الإفطار متى شاء، إلا أن يكون القضاء واجباً عليه ويتضيق وقته، فيحرم عليه الإفطار حينئذٍ قبل الزوال وبعده، لكن لا كفارة فيه.
(مسألة 123): يجب التتابع في صوم الشهرين من كفارة الجمع وكفارة التخيير، ويكفي في حصوله صوم الشهر الأول ويوم من الشهر الثاني من دون فصل، ثم له بعد ذلك إتمام الشهر الثاني مع تخلل الإفطار. ويستثنى من ذلك كفارة القتل في الحرم أو في الشهر الحرام، فإنه يجب فيها صوم شهرين من الأشهر الحرم متتابعين تتابعاً تاماً من دون فصل في الإفطار. حتى في يوم عيد الأضحى، ويستثنى من ذلك حرمة صوم العيد.
(مسألة 124): إذا شرع في الصوم الذي يجب فيه التتابع ثم اضطر للإفطار لعذر طارئ، لم يضر ذلك في التتابع، فإذا ارتفع العذر رجع إلى الصوم حتى يتم له العدد المعتبر من دون حاجة لإعادة ما أتى به قبل طروء العذر، ولا فرق في العذر بين ما لا يكون بفعله كالحيض، وما يكون بفعله كالسفر المضطر إليه، نعم في غير الحيض لابد من كون العذر مانعاً من الصوم عرفاً، لا مانعاً من التتابع من دون أن يمنع من أصل الصوم، كما لو ابتلي بمرض لا يتمكن معه من الاستمرار في الصوم أكثر من عشرة أيام، أو كان قد نذر أن يصوم كل خميس أو نحوهما. فإن الظاهر تعذر التكفير بالصوم حينئذٍ.
(مسألة 125): إذا نذر صوم شهرين متتابعين لزم التتابع التام، إلا أن يكون قصد الناذر التتابع الشرعي فيجزى ما تقدم من التتابع في شهر ويوم ثم جواز التفريق اختياراً. نعم مع إطلاق النذر لا يضر بالتتابع الإفطار عن عذر فيمضي في صومه بعد ارتفاع العذر حتى يتم الشهرين، إلا أن ينص الناذر على عدم الاجتزاء بذلك بحيث يرجع نذره إلى نذر استئناف الصوم بعد ارتفاع العذر.
(مسألة 126): إذا نذر صوم شهر متتابعاً أجزأه أن يصوم خمسة عشر يوماً متتابعاً، ثم يفرق الباقي إن شاء. ولا يضر بتتابع الخمسة عشر يوماً الفصل بعذر قاهر.
(مسألة 127): إذا وجب عليه صوم متتابع لا يجوز له أن يبدأ به في وقت يعلم بفصل التتابع بالعيد أو أيام التشريق لمن كان في منى، وكذا الحكم مع الشك في ذلك، بل هو الأحوط وجوباً مع الغفلة عن ذلك، فإذا صام غفلة واتفق تخلل العيد لزمه الاستئناف على الأحوط وجوباً. ويستثنى من ذلك صوم ثلاثة أيام بدل الهدي إذا شرع فيها يوم التروية وعرفة، فإن الأحوط وجوباً أن يأتي باليوم الثالث بعد العيد، أو بعد أيام التشريق لمن كان بمنى، أما إذا شرع يوم عرفة فيجب عليه الاستئناف بعد العيد وأيام التشريق.
(مسألة 128): إذا نذر أن يصوم شهراً أو أياماً معدودة، فلا يجب فيها التتابع إلا إذا اشترط ذلك صريحاً، أو كان النذر منصرفاً إليه.
(مسألة 129): إذا نذر صوماً متتابعاً ففاته، فالظاهر عدم وجوب التتابع في قضائه، وإن كان هو الأحوط استحباباً. وأظهر من ذلك ما إذا لم يؤخذ التتابع قيداً في المنذور، بل كان لازماً له خارجاً كما لو نذر صوم شهر معين كصوم شهر رجب فلا يجب التتابع في قضائه.
(مسألة 130): الصوم من المستحبات المؤكدة، وقد تقدم في أول الكتاب بيان فضله، وعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «من صام يوماً تطوعاً ابتغاء ثواب الله وجبت له المغفرة» ويستحب في كل وقت عدا الأيام التي يأتي حرمة صومها. والمؤكد منه صوم ثلاثة أيام من كل شهر، والأفضل في كيفيتها صوم أول خميس من الشهر وآخر خميس منه وأول أربعاء من العشر وسط الشهر، وصوم يوم الغدير فإنه يعدل مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات، ويتأكد أيضاً صوم يوم المولد النبوي الشريف ـ وهو اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأول ـ ويوم مبعثه (صلى الله عليه وآله) ـ وهو اليوم السابع والعشرون من شهر رجب ـ ويوم دحو الأرض ـ وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة ـ ويوم عرفة لمن لا يضعفه الصوم عن الدعاء مع عدم الشك في الهلال، ويوم المباهلة ـ وهو الرابع والعشرون من ذي الحجة ـ وتمام شهر رجب، وتمام شعبان، وبعض كل منهما على اختلاف الأيام في الفضل، ويوم النيروز، وأول يوم من محرّم، وثالثه، وسابعه، وكل خميس وكل جمعة إذا لم يصادفا عيداً.
(مسألة 131): يكره الصوم في موارد:
الأول: صوم يوم عرفة لمن يخاف أن يضعفه عن الدعاء، أو كان الهلال مشكوكاً بحيث يحتمل كونه عيداً.
الثاني: صوم الضيف نافلة بدون إذن مضيفه.
الثالث: صوم الولد نافلة بدون إذن والده.
(مسألة 132): يحرم صوم العيدين وأيام التشريق لمن كان بمنى، ولو بعض النهار على الأحوط وجوباً. ويستثنى من ذلك من وجب عليه صوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، وهو من قَتل في الأشهر الحرم، أو في الحرم، فإنه يجب فيه التتابع التام وإن استلزم صوم الأيام المذكورة. ويحرم أيضاً صوم يوم الشك على أنه من شهر رمضان. وصوم نذر المعصية بأن ينذر الصوم شكراً على فعل حرام، أو ترك واجب، أما إذا نذر الصوم ليكون تثبيطاً له عن الحرام وزاجراً له عن المعصية فلا بأس به، بل يجب الوفاء به حينئذٍ، ويحرم صوم الوصال، وهو صوم الليل والنهار، ولا بأس بتأخير الإفطار في الليلة إلى اليوم الثاني إذا لم يكن عن نية الصوم، والأحوط استحباباً اجتنابه.
(مسألة 133): الأحوط استحباباً للزوجة أن لا تصوم إلا بإذن الزوج إذا لم يناف حقه، وأما إذا نافى حقه فلا يجوز لها الصوم.
ونسأله تعالى التوفيق والسداد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والحمد لله رب العالمين.
مع تحيات عاشق الغروب