يبني الله لأهل الجنة في الجنة مساكن طيبة حسنة كما قال - تعالى -: (ومساكن طيبة في جنات عدن) [التوبة: 72]. وقد سمى الله في مواضع من كتابه هذه المساكن بالغرفات، قال - تعالى -: (وهم في الغرفات آمنون) [سبأ: 37]، وقال في جزاء عباد الرحمن: (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما) [الفرقان: 75]، وقال - تعالى - واصفاً هذه الغرفات: (لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد) [الزمر: 20].
قال ابن كثير: " أخبر - عز وجل - عن عباده السعداء أن لهم غرفاً في الجنة وهي القصور أي الشاهقة، (من فوقها غرف مبنية) [الزمر: 20]، طباق فوق طباق مبنيات محكمات مزخرفات عاليات.
وقد وصف لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذه القصور، ففي الحديث الذي يرويه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه عن أبي مالك الأشعري والترمذي عن عليٍّ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله - تعالى - لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام ". (1)
وقد أخبرنا الحق- تبارك وتعالى - أن في الجنة خياماً، قال - تعالى -: (حور مقصورات في الخيام) [الرحمن: 72].
وهذه الخيام خيام عجيبة، فهي من لؤلؤ، بل هي من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها في السماء ستون ميلاً، وفي بعض الروايات عرضها ستون ميلاً ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن قيس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الخيمة درة مجوفة طولها في السماء ثلاثون ميلاً، في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون"، قال أبو عبد الصمد والحارث عن أبي عمران: "ستون ميلاً ". (2)
ورواه مسلم عن عبد الله بن قيس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلاً ٍ، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضاً ".
وفي رواية عند مسلم: " في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً في كل زاوية منها أهل، ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن". (3)
وقد أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن صفات قصور بعض أزواجه وبعض أصحابه، ففي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة، قال: أتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معا إناء فيه إدام وطعام، فإذا أتتك فاقرأ - عليها السلام - من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب". (4)
وفي صحيح البخاري ومسلم عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة وسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصراً بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك "، فقال عمر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله: أعليك أغار؟ ". (5)
وقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالطريق الذي يحصل به المؤمن على مزيد من البيوت في الجنة، فالذي يبني لله مسجداً يبني الله له بيتاً في الجنة، ففي مسند أحمد عن ابن عباس بإسناد صحيح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: " من بنى لله مسجداً، ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتاً في الجنة ". (6)
وفي مسند أحمد وصحيحي البخاري ومسلم وسنن الترمذي وسنن ابن ماجة عن عثمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من بنى مسجداً، يبتغي به وجه الله، بنى الله له مثله في الجنة ". (7)
وفي صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجة عن أم حبيبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من صلى في اليوم والليلة اثنتي عشرة ركعة تطوعاً، بنى الله له بيتاً في الجنة ". (8)
----------------
(1) صحيح الجامع الصغير: (2/220)، ورقمه: 2119.
(2) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة الجنة، فتح الباري: (6/318).
(3) رواه مسلم كتاب الجنة، باب في صفة خيام الجنة: (4/2182) ورقمه: 2838.
(4) مشكاة المصابيح: (3/266).
(5) مشكاة المصابيح: (3/226).
(6) صحيح الجامع الصغير: (5/265)، ورقم الحديث: 6005.
(7) صحيح الجامع: (5/316)، ورقمه 6234.
(8) صحيح الجامع:(5/316)، ورقمه: 6234.