السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تخرج علينا في كل وقت وحين فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان ملأت الصحف والمجلات ، وأمضت وقت الفضائيات ، وأشغلت الناس بفتاوى مضلّّلة من أشخاص لم تُعرف عنهم التقوى ولا الخبرة في تنزيل الأحكام على الوقائع ، ولا تمرُّس في الفتوى ؛ فأصبحت الفتاوى وكأنها بضاعة رخيصة لا واقع لها في حياة المسلمين ؛ فتشغل المسلمين بجدال عقيم لا فائدة منه إلا لأعداء الأمة الإسلامية الذين يتربصون بها الدوائر.
وإن أراد أحدهم الشهرة والتجارة الدنيوية، والقبول الزائف عند الناس والتدليل على أنه صاحب علم وثقافة وحضارة وتقدم وانفتاح على الغرب، فما عليه إلا إصدار فتوى مخالفة للكتاب والسنة وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس،لا تستند لدليل ولا حتى شبهة دليل، ينشرها في وسائل الإعلام المختلفة خاصة سوق الفضائيات الذي يستقبل أية بضاعة مهما كانت رخيصة منحطة ، ويبثها على الناس يُزكم بها أنوف الناس من رائحتها النتنة .
فتاوى تبيح وتلك تحرم كالفتوى التي تعتبر كيان يهود المغتصب لفلسطين جارا يجب الإحسان إليه ، في الوقت الذي صدرت فيه فتوى تبيح إقامة الجدار الفولاذي بين مصر وغزة هاشم ، والفتوى التي تحرم الاستشهاد في سبيل الله ضد المحتل المغتصب واعتباره انتحارا.
فتاوى تروِّج لما هو محرم في الإسلام ومعلوم من الدين بالضرورة ؛كالميسر والقمار الذي يُروج تحت اسم اليانصيب الخيري ورعاية الأيتام والمعوقين ، والخمر تحت اسم المشروبات الروحية ، قال ابن ماجة في سننه فيما يرويه عن أبي مالك الأشعري – رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ليشربن ناس من أمتى الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات . يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم قردة وخنازير " وإسناده صحيح ، والربا باسم المرابحة والفائدة والتوفير0
فتاوى تروِّج مفاهيم الإباحية والاختلاط بين الجنسين تحت دعاوى "الفن والتطور"0
وإرضاع الكبير لإباحة ما حرم الله ، وإجازة شرب الخمر للمرأة بسبب الوحم ،وجواز الفطر لمن يلعب أثناء الصيام، وإباحة شرب الدخان خلال نهار رمضان على أن لا تكون أكثر من سيجارتين .
واعتبار تقبيل الشاب للفتاة ذنبا صغيرا ، والمسؤولية فيه على المجتمع الذي ترتفع فيه تكاليف الزواج .
وأنه ويجوز للمرأة المسلمة أن تكشف رأسها إذا كانت تعيش في الغرب كي لا تتميز عنهم ،ولا داعي للشهود في الزواج ولا للولي ويكفي التفاهم بين الشاب والفتاة على الزواج شريطة أن يكونا في بيت واحد .
تأتي هذه الفتاوى في ظل الصراع الدائر بين الكفر والإيمان والحق والباطل، وفي ظل تحكم الدول الكافرة في بلاد المسلمين، وفي ظل الأنظمة الحاكمة التابعة للغرب، وفي ظل ازدياد اندفاع الأمة الإسلامية وتوجهها نحو فهم الإسلام من نبعه الصافي القرآن والسنة، وفي ظل ازدياد توق الأمة للعيش في ظل الخلافة، وفي ظل قوة الإسلام القادمة والتي يتحدث عنها الأعداء في الغرب بشكل مستمر تحت عناوين الخط الأيديولوجي الإسلامي أو الإسلام السياسي أو الجهاد؛فإننا نرى ونسمع ما يبثه الإعلام لحرف الأمة عن توجهها ومسارها الصحيح .
تأتي هذه الفتاوى في ظل الصراع الدائر بين الكفر والإيمان، والقائم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛فدعوة الإسلام واضحة وأفكارها عملية على الواقع , مما دفع الكافر إلى وضع العراقيل للحيلولة دون انتشار هذا الفكر في العالم قديما وحديثا وتشويه هذه الأفكار ، فأدخل بثقافته التي نشرها بين المسلمين عامة وأوساط المتعلمين والسياسيين خاصة مفاهيم مغلوطة لهذه الأفكار مستخدما وسائل الإعلام من إذاعة وتلفزة ومجلات وصحف وإنترنت , بث ويبث بشكل مكثف سمومه القاتلة الفتاكة لنشر مبادئ الديمقراطية ،ومشوها لصورة الإسلام ومهاجما أفكار العقيدة الإسلامية باسم الديمقراطية وحرية..
إن المفتي يجب أن يحافظ على مكانته ؛ فلا يصح أن يكون مفتيا تحت طلب الحاكم ، يفتي له ، ويفصل الفتوى تفصيلا يوافق هواه أو تبعتيه للغرب .
إن المفتي يجب أن يحافظ على قيمة فتواه ؛ فلا يصح أن ترخص أبدا، ذلك أنها ليست سلعة تُصنَّع وليست ثوبا يُفصل ، وليست بضاعة تباع وتُشترى في سوق النخاسة ؛ فتقل قيمتها .
إن الأمة الإسلامية بحاجة ماسة إلى أصحاب العلم والفضيلة في هذا العصر؛ بحاجة إلى حضور العلماء المخلصين في حياة الأمة لا سيما في الأزمات .
إن مكان العلماء الطبيعي بين الناس ، وليس على أبواب السلطان
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم؛ فليس مني ولست منه وليس بوارد علي الحوض...) ، وما رواه ابن عباس، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلاطين افتتن ».
إن الأمة الإسلامية اليوم وأكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى الخطاب الذي يأخذ بيدها ، ويوجهها نحو النهضة والإرتقاء لاستعادة مجدها وسؤددها .
وإن الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل كثر فيها العلماء البررة أصحاب المواقف الجريئة كالعز بن عبد السلام ، الذين يدركون أهمية ما يقولون ، وقيمة ما يتحدثون ؛ فلا يمسخون أنفسهم ، ولا يبخسون بضاعتهم وفتاواهم ، ولا يتحدثون إلا بالحق ، ولا يطيعون الحكام في معصية الله ، ولا يركنون إلى الظلمة ، ولا أصحاب الهوى .
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28
هذا غيض من فيض مما تقوم به وسائل الإعلام في محاربة الإسلام وأهله ودعاته ، وترويج الفتاوى الباطلة
{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ }النحل116.
ودي وتقديري
عاشق الغروب