الحمد لله القائل في محكم التنزيل (( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها )) .
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وحجة على الناس أجمعين وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد ، فإن من المعلوم بالضرورة أن رأس هذا الدين وأصل أصوله وأساس أمره التوحيد ، المتضمَّن في الشهادتين العظيمتين : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ومقتضاهما إفراد الله بالعبادة والطاعة وإفراد رسوله صلى الله عليه وسلم بالطاعة والمتابعة ، فلا يدان بدين ولا يحكم بحكم إلا وفق شريعته وسنته وهديه .
وأن من أعظم مقتضياته الكفر بالطاغوت وتكفيره والبراءة منه ومن أوليائه .
والعجب كل العجب حين يهمل التنبيه إلى هذا الأصل بين المسلمين اليوم إلا من رحم الله ، وقليل ماهم ، فتجد العالم والمفتي والفقيه والخطيب والواعظ .. وهلم جراً ، يخوضون في كل علم قراءةً ودراسة وتعليماً وشرحاً وتفسيراً إلا في هذا الفقه الأكبر والعلم الأعظم ، فلا يكادون يذكرونه في شيء من المواعظ والفتاوى والخطب ، إلا تحلة القسم .
وإن ذكروه – أحياناً – اقتصروا على أقل القليل دون شرح أو تفصيل ، مع حاجة الأمة كلها وضرورتها إلى بيانه وتوضيحه والدعوة إليه وكثرة الحديث عنه وخاصة في مثل هذه الجاهلية الجهلاء التي تعيشها الأمة الإسلامية بل البشرية جمعاء .
من كلام بقية السلف
ومن وصايا الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ لعموم الأمة قوله – رحمه الله – في إحدى المناسبات العظيمة بعد أن أطال الكلام في تقرير التوحيد ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله – (( وإني إذ أقرر هذه الأصول العظيمة الواجبة الاتباع أستنهض همم إخواني المسلمين في داني الأرض وقاصيها وأستثير عزائمهم إلى التمسك بذلك والاعتناء به ، وأدعوهم إلى أن يرجعوا إلى ربهم في سرهم وعلانيتهم ويصدقوا فيما بينهم وأن تتصافَّ قلوبهم وتتوحد كلمتهم وتجتمع صفوفهم ، ويكون الهدف والقصد واحداً وهو تحكيم الشرع الشريف ورفض القوانين الوضعية التي عزل بها الكتاب والسنة ، فبذلك يقوم لنا مجدنا ونكون السباقين إلى كل خير المنصورين في كل حلبة.
قال الله تعالى (( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين )) . وقال تعالى (( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا )) اهـ . انظر مجموع فتاوى الإمام [ 1 / 83 ] .
وقال - رحمه الله في مناسبة أخرى (( بسم الله الرحمن الرحيم . أوجه خطابي هذا إلى كافة المسلمين من حجاج بيت الله الحرام وغيرهم ، نصيحة لهم ، وبراءة للذمة ، ورجاء أن يتنبهوا من غفلتهم ويستيقظوا من رقدتهم ، ويصير أكبر همهم وجل بحوثهم وعامة كتاباتهم وإرشاداتهم حول تحقيق معرفة ما هم إليه أشد شيء ضرورة من بيان حقيقة ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ، بل ضرورتهم إلى ذلك أعظم وأكبر من ضرورتهم إلى الطعام والشراب ، بل أعظم وأكبر من ضرورتهم إلى النَّفَس ...
وأجد من يتكلم عن الأمور الدينية أكثرهم أو كلهم إلا من شاء الله لا يكتبون ولا يرشدون إلا في أمور هي في الحقيقة من الفروع والمكملات .
فتجد الكاتب وتجد المرشد لا يتكلم إلا حول فرضية الصلاة - مثلاً – ووجوب فعلها في جماعة ، أو الحج أو صيام رمضان أو الزكاة ، وأشباه ذلك ، أو في أشياء من المحرمات ، كالربا والتعدي على الأنفس والأموال والأعراض وغير ذلك من المعاصي والمخالفات ، ونعم ما فعلوا ، وحسن طريقاً ما سلكوا ، ولكنهم كانوا عن أهم الأهم في بعد إلى الغاية .
فقد كان خير الخلق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول بعثته ومبدأ دعوته يبدأ بالأهم فالأهم .وأقام صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنوات من بعثته قبل فرض الصلاة - التي هي عمود الإسلام –وما بعدها من الأركان ,كل ذلك في بيان التوحيد والدعوة إليه،وبيان الشرك وتهجينه والتحذير منه …
فحقيق بالمسلمين ـ ولاسيما العلماء ـ ( أن يجعلوا)كبير عنايتهم ومزيد اهتمامهم بمعرفة حقيقة مابعث الله به الرسل من أولهم إلى آخرهم وخاتمهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين ,وتعليمهم ذلك ,والعمل به ظاهراً وباطناً ,والموالاة والمحبة والتناصح فيه والتواصي به :من توحيد الله تبارك و تعالى في ربوبيته وفي ذاته تبارك وتعالى , وأسمائه وصفاته وأفعاله , وفي إلهيته وما يستحق من عبادته وحده لا شريك له , وأنه ما في العالم علويه وسفليه من ذات أوصفة أو حركة أو سكون إلا الله خالقه لا خالق غيره ولا رب سواه.
وأن يوحد سبحانه وتعالى في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله بأن يؤمن أنه تعالى واحد أحد فرد صمد لم يلد لم يولد ولم يكن له كفواً أحد….
وأن يوحد تبارك وتعالى في ألوهيته بأن يفرد بجميع أنواع العبادة,فلا يعبد إلا إياه ولا يدعى أحد سواه ولا يسجد إلا له ولا يتوكل إلا عليه ولا يرغب إلا إليه ولا يستعان ولا يستغاث إلا به ,ولا ينحر ولاينذر إلا له, ولا يخشى ولا يخاف أحد سواه , ولا يرجى إلا إياه, حتى يكون سبحانه وتعالى هو المفزع في المهمات والملجأ في الضرورات , ومحط رحل أرباب الحاجات في الرغبات والرهبات وفي جميع الحالات. فهذا هو مضمون أصل الدين وأساسه المتين شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
وأصله الثاني شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم نطقاً واعتقاداً وعملاً,وهو طاعته فيما أمر وتصديقه في جميع ما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر , وأن لا يعبد الرب تبارك وتعالى إلا بما شرعه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم , وأن تقدم محبته صلى الله عليه وسلم على النفس والولد والوالد والناس أجمعين , وأن يحكَّم صلى الله عليه وسلم في القليل والكثير والنقير والقطمير .كما قال تعالى (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ))... ومن المهم جداً اتصال المسلمين بعضهم ببعض اتصالاً خاصاً, وأن يتذاكر بعضهم مع بعض في هذه الأصول العظيمة… وأن يكونوا شيئاً واحداً في العمل بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ,يداً واحدة في الذب عن حوزة الدين, ومناوأة أعدائه من الكفار والمشركين ,فإن الأخذ بذلك هو سبب السعادة والسيادة والفوز والنجاة في الدنيا والآخرة..)) انتهى نقله باختصار من مجموع الفتاوى [1 / 88 ] . فانظر-وفقك الله-إلى عظم اهتمام هذا الإمام بتقرير أصول الدين في المواسم والمحافل العظام , وتدبر ماجاء في وصيته للأمة من مسائل , منها:
1-تقرير توحيد الربوبية ، ومقتضاه أن الأمر كله لله وأنه سبحانه المتصرف في هذا الكون علويه وسفليه, لا شركة لأحد معه في شيئ من الأمر كما لا شركة لأحد معه في شيئ من الخلق (( ألا له الخلق والأمر )) .. (( لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ومالهم فيهما من شرك وماله منهم من ظهير )) ..
2-تقرير توحيد الألوهية , فلا يرغب إلا إليه ولا يخاف إلا منه ولا يستغاث ولا يستعان إلا به في سائر المهمات والأمور المدلهمات ، عدا ما أذن الله به من الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه .
3-تقرير المسائل المتعلقة بهذا التوحيد , ومنها إخلاص الموالاة في الله والبراءة ممن عاداه من الكفار والمشركين ومن شايعهم من المنافقين , وهذا من مقتضيات التوحيد ولوازمه التي لا تنفك عنه.
4-تقرير التوحيد الآخر وهو توحيد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو من توحيد الله , فلا يستقيم هذا إلا بذاك , إذ الرسول هو المبلِّغ عن الله , وطاعته طاعة لله , ومعصيته معصية لله , ((من يطع الرسول فقد أطاع الله)) (( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)) .
وعليه فإن من لوازم ذلك تحكيم هديه وسنته ونبذ كل القوانين الوضعية والدساتير الأرضية التي اخترعتها أمم الغرب والشرق والتي يجمعها وصف واحد جاء في القرآن وهو(( الطاغوت)) .
وهاهنا أمر مهم , وهو أن النصوص صرحت بأنه لا يكفي مجرد المعرفة بحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم , ولا ترديد ذلك على الألسنة دون عمل , فإن الإيمان لا يستقيم إلا بالعمل , فلابد أولاً من قصد التحاكم إلى الكتاب والسنة ، والعمل بموجب ذلك الحكم ، ثم الرضا والتسليم به .(( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)) .
ولقد كان من أعظم المسائل التي يقررها ذلك الإمام العظيم كثيراً في فتاواه ورسائله ومؤلفاته ودروسه , مسألة تحكيم الشريعة وحدها ونبذ كل القوانين الوضعية بسائر أنواعها وأشكالها , في السياسة العامة والخاصة , ولم يثنه ما كان يجده من مخالفة ومعارضة من قبل بعض الحكام والأمراء , وقلة نصرة ومعونة من قبل كثير من العلماء ، لم يثنه ذلك عن الإكثار من ذكر هذه المسألة وترديدها وتذكير العامة والخاصة بها .
5- ولقد نبه الإمام كذلك إلى أن انشغال العلماء والوعاظ والكتَّاب بالحديث عن فرائض الدين الأخرى-عدا توحيد الله-وتحذير الناس من اقتراف المحرمات الكبرى- عدا الشرك بالله - أن ذلك مع أهميته وحاجة الناس إلى بيانه وشرحه , إلا أنه ينبغي أن يقدم عليه الكلام في التوحيد ومقتضياته والتحذير من نواقضه ومبطلاته .
قلت: كيف لو رأى سماحة الشيخ الإمام صنيع أكثر علماء اليوم وانشغالهم عن تقرير الأصل الكبير , لا ببيان فرائض الإسلام الأخرى , بل بأمور أقل أهمية منها بكثير ؟!
* بل كيف لو سمع الإمام ما ينعق به طائفة ممن يسمَّون بالعلماء والفقهاء ، والعلم والفقه منهم براء , من صياح وعويل بما لا طائل من ورائه ولا مصلحة للإسلام والمسلمين من قوله , ويتعسفون في الاستدلال عليه بماهو دليل على نقيضه , ويحرفون الكلم عن مواضعه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ؟!
* وكيف لو رأى - رحمه الله - حال أكثر أهل هذا الزمان من المنتسبين إلى العلم والمشيخة ممن اتخذوا دينهم لعباً ولهواً , وغرتهم الحياة الدنيا واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً , وجعلوا الدين والفقه مطية وسخَّروه لخدمة مصالح أعداء الدين والأمة المحمدية ؟!
الولاء والبراء
ومن أعظم مقتضيات التوحيد ولوازمه قضية الولاء والبراء , التي هي مضمون شهادة أن لا إله إلا الله، وقد تواترت نصوص الكتاب والسنة على ذكرها وتقريرها ,كما تواترت نصوص الأئمة على شرحها وتفصيلها خاصة أئمة الدعوة النجدية .
ومما ورد في مصنفاتهم ورسائلهم مقالة ابن عقيل المشهورة(( إذا أردت أ ن تنظر إلى محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى ازدحامهم في أبواب المساجد ولا إلى ضجيجهم بلبيك ، ولكن انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة )) .
وإني لا أعجب كثيراً من تصريحات كثير من الرؤساء ومن شايعهم ممن لبس لبوس المشيخة وتسنَّم بعض المناصب الدينية , بكلام ينسف أصل هذه القضية التي هي أصل الدين وأس العقيدة , وقد كثرت تلك التصريحات في العقد الأخير , وبالأخص بعد تهديد رأس الكفر والشر لدول العالم بأنه (( من ليس معنا فهو ضدنا )) .
ولا أعجب كثيراً من سكوت جماهير العلماء والوعاظ والكتاب وكتمانهم الحق في هذه القضية التي هي فوق كل قضية , فلا "الإرهاب" , كما يسمونه , ولا "التكفير" ولا "القتل" ولا "التفجير" ولا غيرها من القضايا المعاصرة بأهم بياناً وتفصيلاً وتقريراً وشرحاً ودرساً من قضية الولاء والبراء في الدين .
وإنما العجب كل العجب حقاً من تصدي أولئك وإنكارهم على كل من قام يبين للعامة في درسه أو وعظه أو خطبته هذه القضية واعتباره " معارضاً للسلطة " و "مفرقاً للوحدة" و "مثيراً للفتنة " و " مهيجاً للعامة" حتى إني سمعت من ذلك "الحفيد" تصريحاً بمنع الخطباء والوعاظ والمصلحين من الحديث عنها لأنها- كما يزعم - من المسائل العويصة الشائكة التي لا يحسنها ولا يفهمها على وجهها إلا الراسخون في العلم .
ولم يتفضل "معاليه" ببيان من هم "الراسخون" المعنيون ، وترك الأمة في حيرة من أمرها , فهذا الوصف ، كذلك ، من المسائل العويصة الشائكة , فكل منتسب إلى شيء من العلم والرئاسة الدينية يمكن أن يدعيه هو فخراً أو يصفه به أتباعه ومريدوه زوراً .
وردي على من يقول بهذا القول من وجوه:
الأول : أن هذه القضية العظيمة هي أصل أصول الملة القويمة , وهي مقتضى الشهادة العظيمة , فلا يصح أبداً أن توصف بأنها من المسائل الشائكة المتشابهة التي يعجز عن فهمها أكثر الناس , بل هي وغيرها من مسائل الاعتقاد المفروضة على العباد ، مما لا يعجز عن فهمه وفهم مراد الله منه عامة الخلق القارئ منهم وغير القارئ , وبذلك تقوم الحجة على الناس كافة .
ولو قال قائل إن غيرها من مسائل التوحيد أكثر غموضاً وأكثر تشابهاً من مسألة الولاء والبراء لكان قوله أقرب إلى الصواب والعدل .
وتعلق المشركين بالمتشابه في مسألة الشفاعة والتوسل ، أكثر من تعلق المخالفين بالمتشابه في مسألة الولاء والبراء .
الثاني : أننا نرى في هذه الأزمنة المتأخرة تمييعاً صريحاً من قبل أكثر المنتسبين للعلم والسلطة لهذه المسألة العظيمة الخطيرة ، وجهلاً فاضحاً من عامة الناس بها .
فكان الأجدر والأصوب إذاً أن يُحضَّ العلماء والوعاظ والدعاة والخطباء وكل من له منبر أو وسيلة إعلام , على بيان هذه القضية وشرحها للعامة , لا أن يمنعوا من الحديث عنها .
الثالث : أن تصريحات هذا " الحفيد" وأضرابه فيها معارضة صريحة لكلام العلماء السابقين في العلم والرئاسة والمشيخة , وكان من مناقبهم التأكيد على أئمة المساجد أن يشرحوا للعامة كتاب "الأصول الثلاثة" وكتاب "التوحيد" وغيرهما من كتب أئمة الدعوة التي فصَّلت ووضحت قضية الولاء والبراء أكثر مما فصلته مصنفات العلماء السابقين .
الرابع : أن منع الدعاة وأئمة المساجد والخطباء من الكلام في هذه المسألة , يقتضي منعهم كذلك من الحديث عن سائر مسائل التوحيد والعقيدة , لأنها مثلها أو أعظم منها في إثارة الفتنة والبلبلة , وهي أجدر أن لا تفهم على وجهها.
ولئن كان شرح مسألة الولاء والبراء للعامة سيؤدي إلى تعكير صفو "الصفوة" فإن شرح غيرها من مسائل التوحيد والشرك سيؤدي – حتماً –إلى غضب وسخط جماهير غفيرة من العامة والخاصة .
الخامس: أننا لو سلمنا – جدلاً – أن شرح قضية الولاء والبراء وتفصيلها حكر على طائفة من خواص العلماء "الكبار" دون غيرهم من الخطباء "الأغمار" ! وطلبة العلم "الصغار" ! فلم لم تتفضلوا – حفظكم الله – بشرحها وتوضيحها وبيانها بدلاً من الاقتصار على التحذير من الخوض فيها ؟!
هلا شرحتم للعامة – يا رعاكم الله – معنى قول الله تعالى (( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده )) وتفسير قوله عز وجل (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم )) إلى آخر الآيات من سورة المائدة .
وقوله (( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ..)) الآية .
وقوله (( بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً . الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً )) .
السادس : أن انتشار الجهل بهذه المسألة الهامة وأحكامها بين العامة ، مع حاجتهم وضرورتهم إلى فهمها ,بل جهل أكثر طلبة العلم من الوعاظ والدعاة والخطباء بها وبتحقيق المناط فيها كما – يزعم "الحفيد" – مدعاة إلى مزيد الاهتمام بها وإلى عقد الدروس العلمية والندوات والمحاضرات والخطب في المساجد والمدارس لشرحها ، وتأليف الكتب والرسائل فيها ونشرها عبر وسائل الإعلام المختلفة ليعلمها من لا يعلمها من الخلق كافة .
أما أن يقتصر على التحذير من ذكرها ومنع المتكلمين من الخوض فيها فهو عكس للمطلوب والمفروض عقلاً وشرعاً وواقعاً .
ومهما بلغ بنا العجب والدهشة مما نراه ونسمعه من معارضة صريحة من كثير من مشايخ العصر لدعوة الحق واختيارهم مذهب الإرجاء الذي يؤدي إلى تمييع قضايا الدين ونقض أصوله ,فإن العجب الأكبر أن تصدر مثل تلك المناقضة والمعارضة وكتمان الحق وتلبيسه بالباطل ممن ينتسب إلى تلك الدعوة المباركة أو إلى أئمتها .
وقد جاء في كتاب "الأصول الثلاثة" قول الإمام في المقدمة "اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلُّم ثلاث هذه المسـائل والعمل بهن " إلى أن قال " الثالثة : أن من أطاع الرسول و وحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب والدليل قوله تعالى (( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله)). وجاء في شرح هذه المسألة قول صاحب " الحاشية " ((بل يجب عليه أن يصارمهم ويقاطعهم ويعاديهم أشد المعاداة. والمحادون لله هم الكافرون بالله وقد حرم الله موالاتهم على كل مسلم ومسلمة. والموالاة : الموادة والصداقة, ضد المعاداة. والمحادة هي المجانبة والمخالفة والمغاضبة والمعاداة . ولها أيضا ًعند أهل العلم معنيان , أحدهما : أن الكفار كانوا في حد والمؤمنون في حد .المؤمنون في حد الله ورسوله , وهو الإيمان . والمشركون في حد إبليس وجنوده , وهو الكفر. والقول الثاني: أنه ليس بين الكافرين والمسلمين إلا الحديد ,يعني: القتال بالحديد "اهـ .
فهذا النص وشرحه في مثل هذا الكتاب المقرر تدريسه لطلاب المدارس في المراحل الأولية والمقرر تدريسه كذلك للعامة في المساجد على أئمتها وخطبائها ودعاتها طيلة عقود كثيرة , ولم يجرؤ قائل أن يمنع أحداً من دراسته وقراءته وتعليمه ولو كان قليل العلم , بل حتى الأمي إذا فهمه كان مطالبا ًبدعوة أهله وخاصته إلى العمل بمقتضاه , فكيف يسوغ لأحد اليوم أن يحدَّ الناس ،خاصة الأئمة والخطباء،عن تعليمه أو تعليم شيئ من مسائله للعامة بدعوى أنها من المسائل المشتبهة أو التي تثير الفتنة والبلبلة ؟ !
ومن غرائب ما سمعته من هذا " المخالف " أيضاً زعمه أن هناك أئمة وخطباء يستدلون بآيات ونصوص متشابهة من أقوال أئمة الدعوة ويضعونها في غير مواضعها ويفهمونها على غير وجهها... إلى غير ذلك مما يردده هذا " المخالف " كثيراً والذي يشهد العدول من أهل العلم والفضل أنه كلام باطل , إذ ليس هناك أي اشتباه في مسائل الدين العظيمة التي فرضها الله على عباده كافة ، وعلى رأسها مسألة الولاء والبراء , وليس هناك أصرح ولا أوضح في شرح هذه المسألة بعد نصوص الكتاب والسنة من نصوص الإمام محمد بن عبد الوهاب والأئمة من بعده .
وإليك بعض مقاطع من نصوصهم في المسألة :
1- (( إن الإنسان لا يستقيم له دين , ولو وحد الله وترك الشرك , إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغض )) الإمام محمد بن عبد الوهاب .
2-(( إن الإسلام لا يستقيم إلا بمعاداة أهل الشرك , فإن لم يعادهم فهو منهم وإن لم يفعله)) عبد الله بن الإمام .
3-(( من قال : لا أعادي المشركين , أو عاداهم ولم يكفرهم , أو قال :لا أتعرض أهل لا إله إلا الله ولو فعلوا الكفر والشرك وعادوا دين الله , أو قال :لا أتعرض للقباب , فهذا لا يكون مسلماً)) . حسين وعبدالله ابنا الإمام .
4-(( والمرء قد يكره الشرك ويحب التوحيد , لكن يأتيه الخلل من جهة عدم البراءة من أهل الشرك وترك موالاة أهل التوحيد و نصرتهم , فيكون متبعاً لهواه , داخلاً من الشرك في شعب تهدم دينه وما بناه , تاركاً من التوحيد أصولاً وشعباً , لا يستقيم معه إيمانه الذي ارتضاه )) . عبد اللطيف بن عبد الرحمن .
5-(( لا يستقيم للعبد إسلام ولا دين إلا بمعاداة أعداء الله ورسوله , وموالاة أولياء الله ورسوله . فمقت المشركين وعيبهم وذمهم وتكفيرهم والبراءة منهم هو حقيقة الدين , والوسيلة العظمى لرب العالمين ...لا يتصور أن يعرف التوحيد ويعمل به من لا يعادي المشركين )) .عبد اللطيف بن عبد الرحمن .
التكفير
وما يقال في مسألة الولاء والبراء يقال كذلك في مسألة التكفير ، فإن من أعظم مقتضيات التوحيد ولوازمه تكفير الكافرين من اليهود والنصارى والمجوس والمشركين والمنافقين والمرتدين ,كما نص على ذلك الكتاب المبين.
قال الله تعالى (( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)) (( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية)) . (( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء )) (( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه)) (( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة)) (( إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم ))
(( لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم )) (( ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم)) .
وتكفير الكافر الأصلي لا اجتهاد فيه ولا يجوز التوقف فيه , وإنما يكون الاجتهاد والنظر في تكفير من أتى بناقض من نواقض الدين ممن انتسب إليه , من حيث الإطلاق والتعيين. وقد كثر إطلاق التكفير والردة في مصنفات الأئمة في العقائد والفرق والسنة.
وفي مصنفات الفقه المطولة أبواب مفردة في حكم المرتد وأنواع الردة.
فالتكفير إذاً حكم من أحكام الشريعة بل هو من أعظم أحكامها ، وهو من لوازم الاعتقاد , كتكفير الكافر الأصلي , وتكفير من كفره الله ورسوله ومن أجمع على تكفيره المسلمون ,كمن سب الله ورسوله أو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة .
وكذا من نص علماء السنة على كفره وردته بسوء اعتقاد ونحلة كغلاة الفرق المخالفة من الجهمية والقدرية والرافضة , أو بأقوال وأفعال , ولو من غير اعتقاد ,كمن تولى الكافرين ونصرهم على المسلمين, ومن تحاكم إلى الطاغوت , ومن ترك الصلاة ولو كان مقراً بوجوبها , ونحو ذلك من النواقض والمكفِّرات . غير أن تكفير المعيَّن له شروط وموانع ، مذكورة في تلك المصنفات .
والمقصود بيان أن" التكفير " حكم شرعي وليس "فتنة" أو "منكراً" أو"جريمة" , كما يزعمه بعض المنتسبين إلى العلم والمشيخة والدعوة ممن (( يحرفون الكلم عن مواضعه )) ((ويبغونها عوجاً ))
صحيح أن بعض مسائل التكفير شائكة ومتشابهة , وبعض الناس يخطئون في فهمها وتنزيلها على الوقائع , وبعضهم قد يتعسَّف أو يغلو في الإطلاق أو التعيين , فيكفِّر بما لا يكفر المرء به من المعاصي والسيئات , أو يعيِّن بالكفر من وجدت موانع من تكفيره مع اقترافه لبعض المكفِّرات .
وهذا الغلو والتعسف ليس مسألة حادثة , بل هو موجود منذ القرن الأول , والخوارج على رأس القائمة في هذه الضلالة . ومع براءة دين الله من الاعتقادات الباطلة والأفعال المخالفة لهذه الفرقة الضالة , التي عانى منها المسلمون منذ ظهورها وقت "الفتنة"في عصر الخلافة الراشدة .
إلا أنه لم يتجرأ أحد من العلماء ولا العامة من أهل السنة والجماعة على القول بمنع التكفير بالكلية أوعده من المسائل المنسوخة في الشريعة .
ولم تزل كتب "السنة"وغيرها تسوق لنا مئات النصوص السلفية في الحكم بالكفر والردة والزندقة على المستحق من المخالفين مع تحذيرهم من أقوال الخوارج في تكفير مرتكب الكبيرة
هذا وقد ظهرت فرقة أكثر ضرراً وأظهر أثراً في الأمة الإسلامية من الخوارج وهم المرجئة , وكتب أئمة الدعوة النجدية ومناظراتهم مع مخالفيهم أكبر شاهد على أن انتشار الإرجاء في الأمة أكثر من انتشار مذهب الحرورية .
وأنت لو قلبت نظرك وفكرك في حال البلاد الإسلامية لرأيت كثرة وقوع العامة في المكفِّرات من الشرك بالله وعبادة الأضرحة والقبور والسِّحر والكهانة وسب الله والاستهزاء بشعائر الدين وإنكار شرائع معلومة من الدين بالضرورة والإعراض عن تعلم الدين والعمل به , وتقلد المذاهب الإلحادية المعاصرة كالشيوعية والاشتراكية والماسونية والوجودية والعلمانية والبعثية والناصرية...وهلم جراً.
أما السلطة الحاكمة في بلاد المسلمين فحالها لا تخفى على أحد : حرب للدين ، وتحكيم للقوانين ، وتول للكافرين ...إلى غير ذلك مما يطول ذكره .
وإذا كان هذا حال كثيرٍ من الأمة في البلاد الإسلامية , فليس من "الحكمة" ولا من مصلحة "جمع الكلمة" التحذير من الكلام عن النواقض و"التكفير" , بل الحكمة تقتضي المبالغة في التحذير من الوقوع في الشرك والكفر .
وليس من "الحكمة " في الدين ولا من "مصلحة جمع كلمة المسلمين" أن يفسح المجال لكل ناعق ممن مرد على الزندقة والشرك والنفاق والطعن في الدين ، فيقول ما يشاء ويكتب ما يشاء مما هو كفر بواح وردة عن دين الإسلام , على مرأى ومسمع من ملايين , ثم يُنكَر على من يرد عليه أو يكفِّره من أهل العلم نصحاً لله وللمسلمين وغيرة على حرمات الدين , ويشنَّع عليه وربما يمنع ويؤذى ويوقف ويستتاب لأنه قام بواجب النصيحة والذب عن الدين , تلك إذاً قسمة ضيزى ، وذلك هو الضلال المبين .
مقتطفات من كلام أئمة الدعوة في مسألة التكفير
1- (( ومعنى الكفر بالطاغوت أن تبرأ من كل ما يعتقد فيه غير الله من جني أو إنسي أو شجر أو حجر أو غير ذلك , وتشهد عليه بالكفر والضلال وتبغضه ولو كان أباك وأخاك .
فأما من قال : أنا لا أعبد إلا الله وأنا لا أتعرض السادة والقباب على القبور وأمثال ذلك ,فهذا كاذب في قول لا إله إلا الله , ولم يكفر بالطاغوت)) الإمام محمد بن عبد الوهاب .
2- (( فالله الله-إخواني - تمسكوا بأصل دينكم أوله وآخره , أسه ورأسه , وهو شهادة أن لا إله إلا الله , واعرفوا معناها , وأحبوا أهلها واجعلوهم إخوانكم , ولو كانوا بعيدين , واكفروا بالطواغيت وعادوههم وأبغضوا من أحبهم أو جادل عنهم أولم يكفِّرهم , أو قال : ما عليَّ منهم ! أو قال :ما كلفني الله بهم! فقد كذب على الله وافترى , بل كلفه الله بهم وفرض عليه الكفر بهم والبراءة منهم ولو كانوا إخوانه وأولاده )) . الإمام محمد بن عبد الوهاب
3- ((وأنت يا من منَّ الله عليه بالإسلام وعرف أن ما من إله إلا الله , لا تظن أنك إذا قلت: هذا هو الحق , وأنا تارك ما سواه ,لكن لا أتعرض للمشركين , ولا أقول فيهم شيئاً , لا تظن أن ذلك يحصل لك به الدخول في الإسلام , بل لابد من بغضهم وبغض من يحبهم , ومسبتهم ومعاداتهم..)). الإمام محمد بن عبد الوهاب.
4-(( من عرف معنى لا إله إلا الله ,عرف أن من شك , أو تردد في كفر من أشرك مع الله غيره , أنه لم يكفر بالطاغوت )) .عبدالرحمن بن حسن .
وكلام الأئمة في تقرير هذا الأصل وهو:تكفير مستحق التكفير من اليهود والنصارى والمشركين والزنادقة والملحدين , وكذا المرتدين باعتقاد أو بقول أو بعمل من المنتسبين إلى الإسلام ,كثير , وكتبهم ورسائلهم طافحة بذلك , فعجيب ممن يزعم الفهم والمعرفة بحقيقة دين الرسل ودعوتهم ودعوة الأئمة المجددين من بعدهم , ثم يكتم ذلك أو يشكك فيه أو يدلسه ويلبسه ، أو يمنع من يشرحه ويدرِّسه .
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا --- فلا ديننا يبقى ولا مانرقع
أمثلة معاصرة
وقبل أن أختم المقال أورد أمثلة تدل على جهل كثير من المنتسبين للعلم والثقافة وبعضهم من حملة الشهادات العلمية العالية بضرورات مسائل الدين والعقيدة ووقوعهم في مزالق وطامات خطيرة ، فضلاً عن غيرهم من العامة .
1- فقد أوردت صحيفة عكاظ يوم الاثنين20/8/1425 هـ في الصفحة الخامسة كلاماً منسوباً إلى وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية للدراسات العليا والبحث العلمي ينص فيه على ((براءة الإسلام من اتهام وسائل الإعلام الأجنبية له بالتحريض على الإرهاب والعنف )) إلى أن قال أمام وفد شبابي بريطاني (( إن الدين الإسلامي يأمر أتباعه بمحبة الآخرين)) .
قلت: ومثل هذا الكلام السخيف الذي تبثه على الناس وسائل الإعلام الرسمية المختلفة ,كثير يجل عن الإحصاء والحصر , فلا تكاد تقرأ مقالة أو تسمع برنامجاً يسلم من مثل هذه التفاهات المخالفة للإسلام بل المناقضة لأصوله العظام .
ولئن كان مثل تلك الطوام تصدر عن أمثال أولئك المنتسبين للعلم والثقافة , في مثل تلك المناصب العليا بين ظهراني "العلماء الكبار"!!فكيف بالله بمن هو دون ذلك من عوام الناس في أطراف البلاد وبواديها القفار؟! ولو فرض أن الصحيفة المذكورة قد تصرفت في الكلام المنسوب إلى ذلك المثقف , وغيرت بعض عباراته وألفاظه , فهذا لايغيِّر من الأمر شيئاً فالمشكلة قائمة بذاتها ,لأن هذا التصرف قد تم بواسطة مثقفين إعلاميين أيضاً ونشر على ملايين من البشر , وقرأه عدد لا يحصر , وما اعترض أحد أو أنكر ,حتى هذه اللحظة , مما يؤكد ما قلته من ضرورة الإكثار من شرح مسائل الإسلام العظام ,خاصة مسائل الولاء والبراء والكفر بالطواغيت وتكفير مستحق التكفير .
ورداً على ما جاء في هذا الكلام المنشور في تلك الصحيفة "النشاز" على لسان ذلك "المثقف" أقول :
أولاً : لا يجوز أن ينسب أحد من الناس , مهما بلغ منصبه , إلى الإسلام رأياً أو اجتهاداً رآه هو – أو رئي له – من غير حجة أو برهان من كتاب أو سنة أو إجماع قطعي معتبر , لأن ذلك يدخل في باب التقول على الله بغير علم وهو من عظائم الأمور .
ثانياً : وإطلاق القول بأن " الإسلام بريء من الإرهاب أو العنف أو التحريض عليهما "غلط واضح لأن الإرهاب و العنف ونحوهما من المصطلحات تنقسم إلى قسمين : إرهاب و عنف بحق , وإرهاب و عنف بباطل ، فالأول مطلوب شرعاً وهو من الجهاد في سبيل الله . قال الله تعالى (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم )) .
وقال (( ياأيها النبي حرض المؤمنين على القتال )).
وقال (( ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم )).
وقال (( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة )).
وقال في وصفه لخيار المؤمنين (( أشداء على الكفار رحماء بينهم )).
وصح في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده ..) رواه أبو داود.
وقال (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ...). متفق عليه .
وقال (نصرت بالرعب مسيرة شهر ).
إلى آخر ما هناك من نصوص محكمة من الكتاب والسنة .
ولقد مضت سنة الخلفاء الراشدين وسلف الأمة المرضيين على العمل بمقتضى تلك النصوص المحكمة من القرآن والسنة.
فجيَّش أبو بكر الصديق رضي الله عنه الجيوش لقتال الكافرين والمرتدين على حد سواء ,لم تأخذه في الله لومة لائم , وقد قال لمن ناظره في ذلك (والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه )متفق عليه.
وسيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مشهورة في قتاله للكفار والتشديد عليهم طيلة فترة خلافته ، وكثرت فتوحات المسلمين وجهادهم لدول الكفر وملكوا في عهده عرش كسرى وقيصر .
وسيرته في إذلال أهل الذمة وشروطه "العمرية" مشهورة ، حتى إنه رضي الله عنه أغلظ على أبي موسى الأشعري رضي الله عنه لما استعمل كاتباً نصرانياً ، وشدد في الإنكار عليه وضرب فخذه ثم قرأ (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ...)) الآية .
وكان شديداً على المخالفين من المسلمين , فكان يضرب الذين يصلون النافلة بعد العصر , وضرب "صَبيغ بن عِسْل "حتى أدمى رأسه بعراجين النخل لأنه كان يتتبع المتشابه من القرآن ويبثه في العامة , إلى أن تاب وأقلع .
وقاتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخوارج وحرَّق غلاة الشيعة بالنار وتوعد – على المنبر – الذين يفضلونه على أبي بكر وعمر بالجلد حد الفرية .
وأختم بمقولة الإمام الشافعي المشهورة (( حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في العشائر ويقال :هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام )) .
ثالثاً : أن الإسلام أمر أتباعه ( المسلمين ) بأن يبغضوا الآخرين ( الكافرين ) وأن يعادوهم وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة . وقد ذكرنا طرفاً من الأدلة على ذلك .
2- وإليك مثالاً آخر أصرح في بيان جهل بعض المثقفين بأصل الدين ووقوعهم في الكفر المستبين ، وهو قول أحدهم : (( مسكين أنت يا الله)) وقوله ((الله والشيطان وجهان لعملة واحدة )) تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً . وهذا الكفر لم ينشر فقط في روايات يقرؤها مئات , بل نشر على الملأ في قناة فضائية قبل نحو شهرين في حوار تم مع هذا القائل , حاول مقدم القناة عبثاً أن يحظى منه برجوع أو توبة , ولو إرضاء ومجاملة للجموع الغفيرة من المسلمين ممن يستثير حفيظتهم , ولو كانوا من مقترفي الكبائر والفجور , مثل هذا الكفر الصريح .
غير أن محاولة الإعلامي ذهبت أدراج الرياح أمام إصرار صاحب المقالة الفاجرة على موقفه ورفضه الاعتراف بالخطأ , بل إنه أنحى باللائمة على منكري مقالته ووصفهم بالتعنت والجهل ثم راح يتخبط في متاهات وطامات أخرى ويتبجح بها على الملأ. (( ومن أمن العقوبة أساء الأدب))
3- وقل مثل ذلك في تصريح لشخص آخر في حوار في القناة ذاتها قال فيه من منكر القول والزور ما يندى له الجبين , ومن ذلك اعترافه بأنه لا يرى تكفير أحد أبداً , ولا يرى التمييز بين المنتسبين إلى الملل , وكأنه يصحح قول القائل:
عقد الخلائق في الإله عقائداً --- وأنا اعتقدت جميع ما عقدوه
وذاك الذي أعلن في الصحيفة "النشاز "أنه لايوجد في الإسلام شئ اسمه الولاء والبراء وزعم انه من مصطلحات الغلاة المخترعة , ولايزال يتبجح بنحو هذا الهراء في عموده الثابت دون حياء من الله ومن خلقه .
قال صلى الله عليه وسلم (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ماشئت ) .
تكميل
التكفير من أعظم وأخطر المسائل و الأحكام الشرعية ، فلا يجوز أن يقدم عليه الجهال ، لكنه أيضاً ليس حكراً على طائفة من أهل العلم دون أخرى ، وما يقال فيه يقال في سائر الأحكام الأخرى .
وإنما النظر في الأمور المترتبة على ذلك الحكم وتلك الفتيا ، وهذا يختص بأولي الأمر من القضاة والعلماء كإقامة الحدود والتعزيرات والعقوبات الشرعية .
ومن المعلوم ضرورةً أن من أوجب الواجبات المفروضة على الحكام والقضاة إقامة الدين والذب عن حرماته ومراعاة مصالحه ، وإقامة حدود الله على المخالفين واستتابة المرتدين ومعاقبتهم بما يستحقونه شرعاً, لا أن يستتاب المصلحون والمطوعون من المحتسبين الذين قاموا ببعض ما أوجبه الله عليهم من الإنكار على المخالفين , فذلك مما يوجب سخط الله ومقته ويحل عقوبته .
ومعلوم أن المصلحة المعتبرة شرعاً هي ما وافق شرع الله ولم يعارض نصوصه ، وأما المصالح الشخصية لذوي الرياسة والسلطة فلا عبرة بها بل هي من الهوى الذي اتخذه كثير من الخلق إلهاً .
خاتمة
وبعد , فقد بقي في النفس كلام كثير وشرح طويل ولكن ليس كل ما يعلم يقال , ونحن في زمن "فتنة" و "غربة"كثر فيه المخالف وطغى وتجبَّر , وقل فيه الموافق فلا يكاد يوجد له أثر, ولكن دين الله منصور ووعده بتمكين أوليائه ناجز, وإنما هو الابتلاء والتمحيص (( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلو من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب)) , ((ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض)) وأستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم