ولد عصام في قرية عنزة قضاء جنين بتاريخ 5/5/1963م ونشأ في ظل أسرته المكونة من ستة أفراد ، ويأتي ترتيبه الثاني من حيث العمر ، له ثلاثة أخوة وأختان ، ترعرع عصام في ظل قريته الصغيرة حيث البنية القروية الهادئة والعادات والتقاليد الأصيلة وحيث الحياة الزراعية والرعوية . نشأ عصام ومنذ صغره على حب القرية والأرض والوطن ، وكان منذ صغره متمسكا بالدين وتعاليمه السمحة وكان خلوقا يحب جميع الناس ، وعندما أكمل السادسة من العمر التحق بمدرسة القرية وبدأ المرحلة الابتدائية فيها وقد كان من التلاميذ المتفوقين في دروسهم وكان طالبا مهذبا ونشيطا ، وقد عرف بالشجاعة منذ نعومة أظافره حيث كان يتميز بالجرأة والقوة الكبيرة ، وبعد أن أنهى المرحلة الإعدادية في قريته الصغيرة انتقل إلى مدرسة قرية سيلة الظهر المجاورة لقريته حيث يوجد في هذه القرية مدرسة ثانوية ، وخلال مرحلة دراسته الثانوية كان لعصام دور بارز على صعيد النشاط السياسي ، حيث كان ينظم الإضرابات ويقود المظاهرات التي كانت تخرج من المدارس احتجاجا على الاحتلال ، وبعد أن أنهى دراسته الثانوية أنخرط في صفوف حركة فتح وقام خلال هذه الفترة بتنظيم آخرين مكونا بذلك خلية عسكرية ، وقام بتدريبهم على السلاح ، وقد أشتهر بمهارته في التدريب ودقته في التصويب ، وبالرغم من اهتماماته السياسية فان ذلك لم يمنعه من مواصلة تعليمه فالتحق بكليات المجتمع العصرية في رام الله وكان يدرس هندسة ديكور ، ويعتبر عصام أول شاب في قريته ينخرط في العمل العسكري ، وبعد مرور سنه على دراسته في كليات المجتمع العصرية تم اعتقاله وذلك عام 1986 وكانت هذه المرة الثالثة التي يتم فيها اعتقاله. حيث اعتقل أول مرة في مدينة جنين أثناء اشتراكه في مظاهرات عارمة سنة 1982 وقد اعتقل مرة ثانية عام 1984 ولكنه في المرة الأولى والثانية لم يمكث في السجن فترة طويلة بل كان يخرج ليكمل المشوار ويتابع نشاطه السياسي لكنه في هذه المرة "أي الثالثة" حكم عليه بالسجن الفعلي لمدة أربع سنوات بالإضافة إلى سنتين مع وقف التنفيذ ، وأثناء وجوده داخل السجن لم تفتر عزيمته ولم تلن قناته بل واصل نضالاته وراء القضبان مما أثار حقد وغضب إدارة السجن عليه حيث كان يعاقب باستمرار بحرمانه من زيارة الأهل لفترة طويلة أو وضعه في زنزانة أنفراديه ، ولكن هذه الأساليب الخسيسة لم تكن تنل من كبريائه و شموخه ، وعندما تفجرت الانتفاضة المباركة في 6/10/1987 كان عصام لا يزال قابعا في عرينه وراء القضبان ، وكان عصام خلال فترة اعتقاله وحتى الشهور الأخيرة قبل الإفراج عنه ملتزما في صفوف حركة فتح وأثناء وجوده في السجن اتصل بشباب من حركة الجهاد الإسلامي وانخرط في صفوفهم ،خرج عصام من السجن يوم الخميس 15/9/1990 وكان هذا التاريخ نقطة تحول في حياة أهل القرية،لم يكن عصام يحب الظهور كما كان يفعل بعض الشبان بل كان يمارس نشاطه العسكري بسرية تامة، ورغم نشاطه السياسي والجهادي لم ينس عصام حياته العائلية وأموره الشخصية حيث كان يساعد والده في رعي الغنم وفي الأعمال الزراعية كحراثة الأرض وقطف الزيتون، وبعد عام من خروجه من السجن خطب فتاة من قريته بتاريخ 5/5/1991 وكان ذلك التاريخ ذكرى ميلاده ، وفي هذه الأثناء التحق عصام بجامعة القدس المفتوحة وكان يدرس إدارة أعمال ، وكان عصام خلال هذه الفترة مثال الطالب الخلوق والبطل الشجاع والابن البار والخطيب المخلص الوفي،وبعد مرور فترة من الزمن على انخراطه في العمل السياسي والعسكري بدأت المخابرات الصهيونية بمراقبته وتتبع أخباره عبر عملائها،وبتاريخ 5/7/1992 داهمت القوات الخيبريه منزله من أجل اعتقاله لكنها فشلت في ذلك وبعد أن منيت المخابرات بالفشل طلبت من أهله تسليمه لهم لكنه رفض ذلك ومنذ ذلك التاريخ أختط لنفسه طريقا آخر ، طريق المطاردة ، لقد فضل أن يعيش مطاردا على أن يسلم نفسه لليهود فريسة سهله، فضل أن يلتحف السماء ويفترش الأرض ، فضل حياة العزة والأباء على حياة الذل والهوان والاستسلام ، فضل الكهف المظلم المليء بالأفاعي مع العزة والكرامة على القصور والفراش الوثير مع الذل والهوان ، لقد اختار طريقه بقناعه راسخة وكان يعرف معالمها ونهايتها ، لقد كان يعرف آن الكهف ملجأه والصخور والأشجار أصدقاؤه وان الترقب والحذر الدائم هو السلاح الفعال في حياة المطارد ، وسرعان ما اعتاد عصام على حياة المطاردة والمواجهة المكشوفة مع قوات الاحتلال الباغية ، لقد ألف عصام هذه الحياة رغم قسوتها لأن هذه الحياة "حياة المطاردة" لم تخلق إلا لمثل هذا البطل ولأن هذا البطل لم يخلق إلا لمثل هذه الحياة ، ولقد حاول أهله جاهدين آن يقنعوه بتسليم نفسه لكنه رفض هذه الفكرة الذليلة ، ولم يقتصر الأمر على أهله بل شارك في هذه المحاولة الكثير من أهل القريه ظنا منهم انهم يقدمون بذلك النصيحة لعصام ، ولم يعلموا أن حسابات عصام تختلف عن حساباتهم ، وكان يردد عصام باستمرار إن من اختار درب الجهاد والاستشهاد لا يهمه أي شيء لا مال ولا بنون ولا دنيا ولا أي شيء غير الجهاد في سبيل الله ، ومنذ ذلك الحين أعلنها حربا ضروسا ضد الصهاينة وأصبح المسؤول العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين في منطقة جنين وكان يدرب المجاهدين على السلاح ويكوّن المجموعات العسكرية وقد أطلق على هذه المجموعات العسكرية " مجموعات عشّاق الشهادة " وبدأ يشن حربا لا هوادة فيها ضد الأعداء، ولم يقتصر دور عصام على التخطيط والتوجيه بل كان يشترك في معظم العمليات العسكرية التي تحدث في منطقة جنين، ولقد أبدع على صعيد العبوات الناسفة، ولقد أدرك العدو خطورة بقاء مثل هذا البطل طليقا يزرع الموت في كل مكان ويصطاد منهم العديد ويدب الرعب في قلوبهم، ولذلك قرر جهاز المخابرات اللعين مطاردته بشكل مكثف ودائم من أجل إلقاء القبض علية أو على الأقل إبقائه في حالة دفاع عن النفس وشل قدرته على التفكير بالمهاجمة ولكنها كانت تفشل في كل محاولاتها للقبض عليه
الليلة الاطول في قرية عنزة
استشهاد عصام
في يوم الخميس بتاريخ 10/12/1992 كان عصام يجوب شوارع القرية بصورة مكشوفة وكان قد مر في شارع وسط القرية وزار أهله وأصدقاءه ، وبعد آذان العصر توجه إلى منزل أحد أصدقائه بصحبة عدد من رفاقه حيث ذهبوا لتناول وجبة العشاء ، وبعد آذان المغرب صلوا جماعة بإمامة عصام وأثناء وجودهم في هذا البيت حضر صديق آخر وطلب من عصام مرافقته إلى مكان ما وبالفعل ذهب معه عصام بعد أن اخبر أصدقاءه أنه لن يغيب كثيرا وكان بيت هذا الصديق الذي رافقه عصام يقع في أول البلد من جهة الشارع الرئيسي وقريبا من الدوّار الرئيسي بل على الدوّار مباشرة ، أن استجابة عصام للذهاب إلى هذا المنزل يعتبر مغامرة لأن مثل هذه المنازل تشكل خطرا على مطارد مثل عصام بسبب موقعها غير الآمن ، وما أن دخل عصام إلى هذا المنزل حتى كانت القوات الخاصة تحيط به من كل جانب ، وكانت هذه القوات قد تمكنت من دخول القرية في شاحنه عربية مليئة بالكراسي وتنك الزيت ، وكان سبب دعوة عصام إلى هذا المنزل هو وجود شاب من نابلس يدعى أنه من كتائب عز الدين القسّام ويريد مقابلة عصام لأمر هام ، وفور تطويق المنزل من قبل القوات الخاصة بدأت السيارات العسكرية تتدفق إلى القرية بأعداد كبيرة ترافقها سيارات الإسعاف وعدد كبير من سيارات الضباط بالإضافة إلى طائرتين مروحيتين حطت في السهل القريب من القرية ، في هذه الأثناء بدأت مكبرات الصوت تطالب أهل المنزل بإخلائه فورا كما تطالب عصام بالخروج رافعا يديه للأعلى ووجهه للخلف مؤكدين له بأسلوب ساخر أنه لا مجال للمقاومة، وما أن أكمل أهل المنزل الخروج منه حتى جاء رد عصام على هذا النداء الشيطاني اللعين جاء رد عصام عنيفا وواضحا ومدويا لقد جاء رده رشقات مباركه من بطل مطارد ومظلوم ومتمترس في أكناف بيت المقدس يقارع اليهود نيابة عن أمة الإسلام الغارقة في سباتها العميق وقد استطاع هذا البطل قتل قائد القوات الخاصة وذلك منذ بداية المواجهة واسم هذا القائد "ساسان مردخي" وقد جرح بالإضافة إلى هذا القائد عددا من الجنود الذين بدءوا يصرخون ويبكون كالكلاب التي يطاردها أسد ، ولقد كانت كثافة النيران وأزير الرصاص المدوي يشير إلى وجود اشتباك عنيف وحقا لقد كانت معركة بل ملحمة بطولية نادرة لأن أحد طرفيها فارسا عاهد الله أن يسير على هذا الدرب حتى الشهادة ، وقد أستمر إطلاق النار بين الطرفين قرابة الساعتين بعدها قام الجيش بإحراق كل ما حول المنزل حيث كان هناك كمية كبيرة من إطارات السيارات القديمة مما تسبب في دخول سحب من الدخان إلى المنزل وكانت رائحتها تكاد تخنق كل من تواجدوا بالقرب من المنزل لكن عصام الذي عاهد الله على الشهادة كان يعيش في كنف الله ورعايته وكان يرد عليهم برصاصه الذي لا يخطئ الهدف وبعد ذلك قاموا بإحراق المنزل الذي كان يحتوي على 45 تنكه زيت وبرميل من الكاز وبرميل من البنزين يستخدمه صاحب المنزل لتشغيل ماتور قص الخشب وكذلك جرتان من الغاز بالإضافة إلى الأثاث الضخم الذي كان يملأ المنزل، وبدأت السنة اللهب تخرج من المنزل ولم يكن الجيران يرون سوى نار حمراء متوهجة تخرج من شبابيك المنزل التي انهارت وأصبحت رمادا بفعل النار وخلال هذه الفترة سكت صوت رصاص عصام واعتقد الناس والجيش بل تيقنوا أن عصام قد مات بل أصبح رمادا من شدة النيران ، لكنهم غفلوا أن الله الذي قال للنار " يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم " قد حمى وليه المجاهد في سبيله من السنة اللهب وسحب الدخان الخانق " بعد هذه العملية الإجرامية التي ارتكبها العدو تيقنوا بل اطمئنوا أن هذه النيران التي أشعلوها وأذابت الإسمنت المسلح قد بخرت لحم وعظم عصام ولذلك وبعد فترة من الزمن قاموا بإحضار إطفائية وأخمدوا النيران ثم قاموا باقتحام المنزل بحثا عن بقايا جثة عصام لكنهم فوجئوا مرة أخرى برصاص عصام يعلن لهم انه ما زال على قيد الحياة ، عند ذلك جن جنونهم وقاموا بقصف المنزل بالصواريخ حتى لم يبق منه شيء ، عند ذلك سكت رصاص البطل وكان آخر ما سمعه الجيران من صوت سلاح عصام صوت رصاص مسدس ويبدوا أن ذلك بسبب نفاذ ذخيرة الرشاش الذي كان بحوزته وكان ذلك قرابة الساعة الثالثة والنصف من الفجر وهذا يعني أن المعركة استمرت قرابة تسع ساعات، بعد ذلك حضرت جرافتان من الحجم الضخم وبدأت بجرف المنزل وحمل الركام بعيدا من القرية وذلك من أجل البحث تحت المنزل عن ملجأ حيث تولدت عندهم قناعة أنه لا يوجد إنسان يمكن أن يظل على قيد الحياة في ظروف كالتي مر بها عصام إلا أن يكون موجودا في ملجأ محصّن ومن حقهم أن يتوهموا ذلك لأنهم لا يؤمنون بالله وقدرته التي هي بلا حدود ، وربما أرادوا جرف المنزل من أجل إخفاء آثار ومعالم هذه الجريمة البشعة والتي هي شاهد على هزيمة الجيش الذي لا يقهر ، هكذا عاش البطل عصام شامخا وقضى نحبه شامخا لا يلين ولا يساوم ولقد ودعه أهل القرية وأهالي القرى المجاورة وإخوانه ورفاق دربه ، ودعوه بموكب مهيب تخللته زخات الرصاص من أبناء الجهاد وأعلنوا للجميع أنهم جميعا سائرون على نفس الدرب غير هيابين ولا مترددين وأنهم لن يحسبوا حسابا لصواريخ رابين وزبانيته الأنذال.