عيوننا اختزالٌ لحياتنا.. ونظراتنا بيتنا الزجاجي الذي يفضح عيوبنا... فالعيون السوداء والخضراء وذات اللون البني ليست سوى تلوين للوجود ونكهات تعبّر عن أذواق أصحابها.. فلا الوراثة معنيّة بتداخلات اللون، ولا لإرادة اللون فعلها، كما يُشاع عنوةً... فمن قال إنّ العيون الزرق تشبه البحر بلونها، وأنها لا تشيب، وتفقد صفاء مياهها عندما يخونها الموج بمدّه وجزره.
ومن قال إن الأخضر بلون العشب والشجر، وليس بلون الجراح التي تنمو على أنقاضنا عندما نُبتلى... وأنّ للبني تدرّجاته في العيون، وليس بصلابة صنمٍ يرفض أن يكون حجراً... أو أن نظراتنا لا تهرمُ وتفقد متعة ما تراه؟... ومن قال إنّ العين التي لا تدمع لا يمكن لها أن تحزن؟... أوليس لانفطار القلب ألمه الذي لا نراه؟...
لغة العيون لا تعرف الألوان في الوجود.. فلا رائحة لها أو مذاق، تماماً كما المركبات الكيميائية التي نبتكرها مخبرياً في أوقات فراغنا.. فنحن من يمنح أعيننا اللون بانعكاس أطيافنا الساذجة ببساطة طبيعةٍ بكر.. ونرى الأشياء جميلةً عندما نحبّها فقط؛ لأننا نختار ما نريد مشاهدته كما نختار ثيابنا... ورائحة عطرنا... ومحطة التلفاز التي نشاهدها، وأحياناً نرفض مشاهدة الأشياء على حقيقتها، ونخلق لها تصوّراً آخر مغايراً ما ندركه، ونقنع أنفسنا بوجوده حتى تصبح حياتنا أفضل...
ولكن هل لنا التنكّر من نظرةِ إخفاقٍ بابتسامةِ جفنٍ يكابر عزاءهُ بالتفاتةٍ هاربة، أو ضحكةٍ صفراء كاذبة؟... وهل صحيحٌ أنّ للخيانةِ أنواعها التي يمكن قراءتُها في تاريخ كلّ عينٍ، لأننا نمتلكُ عيوناً من زجاجٍ ينضحُ بغربةِ ما احتواه ساعةَ لا يفيده التخفّي وراءَ صباغٍ يدعيه لوناً.
بحثُنا عن الكمال هو النقص الأكبر فينا... فكلّ منّا محور للكون الذي يفنى بهفوة النسيان في حال أهملناه... ولكن رغم ذلك نظلّ نبحث عن نظرة رضى في أعين الآخرين... وننتظر نظرة إعجاب ممن نحب...
ولكن إذا كانت العين مرآة الروح... فلماذا لا نمتلك جرأة النظر في عين من نكن لهم الود؟... ولماذا تخشى أرواحنا لغة البوح بصدق؟.. هل لأنّ الصدق خطوةٌ أجرأ من أن نقدم عليها.. أم أنّ مشاعرنا اعتادت التمسّك بثقافة النقيض، تحسّباً لخسارةٍ محتملة؟