بسم الله الرحمان الرحيم
الشّيْطان
مخلوق شرِّير مُضل. وقد تردَّد لفظ إ بليس والشيطان في مواضع متعددة من
القرآن الكريم، أما لفظ إبليس فقد ورد مفردًا في أحد عشر موضعًا من القرآن،
وأما لفظ الشيطان فقد جاء مفردًا ومجموعًا في ثمانية عشر موضعًا. عدا
المواضع التي ورد فيها لفظ الجِنّ والجِنَّة التي يراد بكثير منها الشيطان،
مفردًا ومجموعًا.
إبليس يُطلق على ذلك المخلوق من النار، الذي كان
يجالس الملائكة، ويتعبَّد الله معهم، وليس من جنسهم، فلما أمر الله ملائكته
بالسجود لآدم ـ سجود تكريم لا سجود عبادة ـ خالف أمر ربه بتكبُّره على آدم
عليه السلام، لادعائه أن النار التي خُلق منها خير من الطين الذي خُلق منه
آدم، فكان جزاء هذه المخالفة أن طرده الله عن باب رحمته، وسمّاه إبليس،
إعلامًا له بأنه قد أُبلس من الرحمة، وأنزله من السماء مذمومًا مدحورًا إلى
الأرض، فسأل الله النظِرة أي الإبقاء حيًا إلى يوم البعث، فأنظره (أمهله)
الله الذي لا يعجل على من عصاه، فلما أمن الهلاك إلى يوم القيامة تمرد وطغى
وقال كما حكى الله عنه: ﴿فبعزتك لأغوينهم أجمعين ¦ إلا عبادك منهم
المخلصين﴾ ص : 82 ، 83.
وإبليس واحد من الجن، وهو أبو الشياطين
والمحرِّك لهم لفتنة الناس وإغوائهم، وقد ذكره الله في قصة امتناعه من
السجود لآدم في آيات كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا
لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين﴾ البقرة : 34. وقد
أطلق القرآن عليه اسم الشيطان في مواضع، منها قوله تعالى: ﴿فوسوس لهما
الشيطان ليبدي لهما ما وُوري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن
هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين﴾ الأعراف : 20.
وأما
لفظ الشيطان فقد يُراد به إبليس خاصة، كما في قصة امتناعه عن السجود لآدم،
لقوله تعالى: ﴿فأزلّهما الشيطان عنها﴾ البقرة: 36. وقد يُراد بالشيطان كل
شرّير مفسد، داع للبغي والفساد من الجن والإنس، كما في قوله تعالى: ﴿وكذلك
جعلنا لكل نبي عدوًا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول
غرورًا ...﴾ الأنعام : 112.
أوصاف الشيطان. يوصف إبليس وذريته من الشياطين بجملة من الصفات: الخَلقية والخُلقية، فأما الصفات الخَلقية فهي صفات الجن، ومن ذلك:
1- أنهم مخلوقون من النار، قال تعالى: ﴿قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين﴾ الأعراف : 12.
2-
أنهم يتشكلون ويُرون، منهم من يتشكلون في صور الإنس والبهائم والحيَّات
وغيرها، كما دلَّت على ذلك الأحاديث النبوية، فإذا تشكلوا أمكن رؤيتهم، فعن
أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ³: (إن عفريتًا من الجن
تفلَّت عليَّ البارحة ـ أو قال كلمة مثلها ـ ليقطع عليَّ الصلاة، فأمكنني
الله منه فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا
إليه كلكم. ثم ذكرت قول أخي سليمان: (رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي
لأحد من بعدي ) أخرجه البخاري.
3 - أنهم يتناكحون ويتناسلون ولهم ذرية،
قال تعالى: ﴿أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو ...﴾ الكهف: 50.
وقال تعالى عن نساء أهل الجنة : ﴿... لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان﴾ الرحمن:
56. والطمث هو افتضاض البكارة.
4 - أنهم يأكلون ويشربون، فعن ابن عمر ـ
رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ³ قال: (إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا
شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله ) أخرجه مسلم
في صحيحه.
وأما الصفات الخُلقية، فمنها:
1 - الرجيم: قال تعالى:
﴿فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم﴾ النحل : 98. وسُمي
الشيطان بذلك لأنه عصى الله برفضه السجود لآدم، فطرده الله من رحمته.
2-
المارد: قال تعالى ﴿وحفظًا من كل شيطان مارد﴾ الصافات : 7. ويُطلق هذا
الوصف على جنس الشياطين، لأنهم متمردون على طاعة الله وامتثال أمره.
3-
الوسواس الخناس: قال تعالى: ﴿قل أعوذ برب الناس ¦ ملك الناس ¦ إله الناس ¦
من شر الوسواس الخناس ¦ الذي يوسوس في صدور الناس ¦ من الِجنّة والناس﴾
الناس : 1-6. وسُمي الشيطان بذلك لأنه يوسوس للإنسان بالشر، ويخنس عند ذكْر
العبد ربه.
الجنس الذي منه إبليس. الراجح من أقوال العلماء أن إبليس من
الجن وليس من الملائكة، وهو مادل عليه ظاهر القرآن، قال تعالى: ﴿وإذ قلنا
للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ...﴾
الكهف: 50. ولاختلاف صفات إبليس عن صفات الملائكة ومنها: أن الملائكة لا
تعصي الله، وإبليس قد عصى أمر ربه، والملائكة خُلقت من النور، وإبليس خُلق
من النار، كما هو صريح القرآن.
حكمة خلق إبليس. إن إبليس مِحَكّ امتحن
الله به خلقه، ليتبين به خبيثهم من طيبهم، ومؤمنهم من كافرهم، لتقوم الحجة
على العباد، فمن أطاع الله دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، والله في ذلك
حكيم عليم، ولم يترك الناس للشيطان وإغوائه، بل أعطاهم العقل وبعث إليهم
الرسل، فمن آمن كان إيمانه بتوفيق من الله، مع قيام الدلائل على استحقاقه
سبحانه للعبادة دون سواه، ومن عصاه كان عصيانه طاعة للشيطان، بعد قيام
الحجة عليه، ولذلك اقتضت حكمته سبحانه امتحان أولاد آدم من بعد أن امتحن
أباهم، ليميّز الله بين العباد، ويظهر فيهم فضله وعدله.
ولما كان إبليس
قد أصّر على المعصية، وخاصم ربه فيما ينبغي التسليم لحكمه، كان إمهاله في
الدنيا، ليزداد إثمًا فوق إثمه الذي ارتكبه بعصيان أمر ربه، ليستوجب
العقوبة التي لا تصلح لغيره، فيكون رأس أهل الشر في العقوبة، كما كان رأسهم
في الشر والكفر، فلا ينزل عذاب بأهل النار إلا بُدئ به فيه، ثم يسري منه
إلى أتباعه، عدلا ظاهرًا أو حكمة بالغة.
الصراع بين آدم وإبليس
وذريتيهما. أخبر الله أن آدم وإبليس قد أُهبطا إلى الأرض، قال تعالى: ﴿قال
اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين﴾ الأعراف : 24.
لقد هبطوا جميعًا إلى الأرض : آدم وزوجه وإبليس، ليصارع بعضهم بعضًا،
وليعادي بعضهم بعضًا، ولتدور المعركة بين الحق والباطل، والخير والشر،
وليتم الابتلاء، ويجري قدر الله بما شاء.
الشيطان عدو للإنسان، قعد له
بكل طريق، يزين له المعصية ويصده عن الطاعة، قال تعالى: ﴿قال فبما أغويتني
لأقعدن لهم صراطك المستقيم ¦ ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن
أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين﴾ الأعراف : 16، 17. فقد زين
الشيطان للإنسان الكفر والقتل والزنا وشرب الخمر...الخ. فعلى الإنسان أن
يحذر كيد الشيطان، وليعتصم بالرحمن لينجو من عاقبة المصير قال تعالى: ﴿وإما
ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم﴾ الأعراف: 200