البكاء ليس ضعفاً..
إنه قمة الإنسانية.. وذروة العطف البشري..!
إن الذين لا يبكون قلوبهم كالحجارة أو هي أشد قسوة.
ولكن الدمعة قد تعزّ أحياناً، وهنا يكون الألم الممض والشجن المضني.
إنه: «إذ غلب الأسى عزّ البكاء» كما يقول الشاعر.
إن «الدمعة»..
تطهير للنفس من أشجانها
وتطهير للجسد من آلامه
وتطهير للقلب من أوشابه
إن «الدمعة»..
هي أصدق معبر عن إحساس الإنسان نحو الآخر..
وهي أصدق موصّل لمشاعر الناس نحو بعضهم.
وهي أنقى أسلوب يمارسه الإنسان في لحظة الصدق مع نفسه ومع الآخرين.
إن «الدمعة» هي الروح التي تقطر وتسيل ـ كما عبر ـ عن ذلك الشاعر الصادق حرفه كصدق دمعته:
«وليس الذي يجري من العين دمعها
ولكنه روح تسيل فتقطر»
أجل..
إن الدمعة هي رسول الروح
بل عديلها
وهي ذويها التي تلتهب
فتسيل شجناً أو ارتياحاً.
إن الدمعة رحمة.. بل هي عنوان الرحمة وقمتها..!
والرسول صلى الله عليه وسلم الذي سمّى «الدمعة بالرحمة».
لقد بكى صلى الله عليه وسلم عندما فارقت الدنيا حفيدته «أميمة بنت ابنته زينب» فقال له سعد بن عبادة: يارسول أتبكي؟ فقال له المصطفى الذي بعثه الله رحمة للعالمين: «إنما هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء».
أجل..
إن الدمعة رحمة وحنان وعطف.
وليست ضعفاً أو انهزاماً..!
إن الدمعة الصادقة قد تهزم أقوى الناس، وأعتى الأسلحة، وأصلب القلوب..!
الدمعة وحدها هي المؤشر على حياة القلوب وعلى أن الرحمة بين الناس لم تحتضر.
إنها علامة على وجود:
قلوب مترعة بروح الإنسانية
ونفوس مطرّزة بمجد العطف.
وجوانح مكللة بعقود الرحمة والحنان..!
سر الحب..!
فلاسفة اليونان يرون أن سر الحب، وسر تعلق المحبين ببعضهم أن «الحب هو اتصال بين أجزاء متفرقة» بمعنى أن الجزء عندما يلتقي بجزئه الآخر فإنه يتعلق به ويهيم.
ونظرة العرب (حكمائهم وشعرائهم) هي أن سر الحب هو تلاقي الأرواح والقلوب.
ففي الأدبيات العربية، «وللقلب على القلب دليل حين يهواه»!
فالمحب يعرف قلب من يحب
وفي الأمثال الشعبية «القلوب شواهد»..!
بل إن العين تعرف من تحب من خلال نظرة العين قبل حديث الفم.
ألم يقل الشاعر العربي:
«والعين تعرف من عيني محدثها
إن كان من حزبها أو من أعاديها»
والحق..!
إن الإنسان ـ أي إنسان ـ يدرك ذلك، فالأرواح ـ حقاً ـ تتلاقى، وفي الغالب الإنسان لا يحب إلا من يحبه، وأقول ـ في الغالب ـ لأن خداع الطرف الآخر وارد.
لكن في النهاية لا يصح إلا صحيح الحب، ولا يبقى إلا صادق المودة، ولا يسعد القلبين غير صافي الوداد.