بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ - : الحمدُ للهِ ربِّ العَالمين ، وصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَىٰ عَبْدِهِ
وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ وَعَلَىٰ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ . وبعدُ : فقد سَألني كثير مِنَ الإخوان عَنْ حكمِ دفع زكاة الفطرنقودًا .
والجواب : لا يخفىٰ علىٰ كلِّ مُسلمٍ لهُ أدنىٰ بصيرة أنَّ أهمِّ أركان دينِ الإِسلام الحنيف شهادةُ أنْ لَا إلـٰه إلَّا الله ،
وأنَّ محُمَّدًا رسول الله .
° ومُقتضىٰ شهادة أنْ لا إلـٰه إلَّا الله : ألَّا يُعبد إلَّا الله وحده
° ومُقتضىٰ شهادة أنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ألَّا يعبد الله سُبْحَانَهُ إلَّا بما شرعُهُ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّمَ .
وزكاة الفِطر عبادة بإجماع المسلمين.
° والعِبادات الأصلُ فيها التَّوقيف : فلا يجوز لأحدٍ أنْ يَتعبَّد بأيِّ عبادةٍ إلَّا بما ثبتَ عن المشرع الحكيم ،
عَلَيْهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ ، الَّذي قالَ عنهُ رَبَّهُ تَبَاركَ وتَعَالىٰ : ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴾ « النَّجم : 3 ، 4 » ،
وقالَ هُوَ فيِ ذٰلك : « مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَـٰذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ » (1) ؛
« مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدُّ » (2) . وقدْ بيَّنَ هُوَ صَلَوَاتُ اللهِ وسَلامهُ عَليْهِ زكاة الفِطر
بما ثبت عنهُ فِي الأحاديث الصَّحيحة : صاعًا مِنْ طعام ، أوْ صاعًا مِنْ تمر ، أوْ صاعًا مِنْ شعير ،
أوْ صاعًا مِنْ زبيب ، أوْ صاعًا مِنْ أقط .
فقد روى البُخاريّ ومُسلم رَحِمَهُمَا اللهُ ، عَنْ عبدِ الله بْن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، قالَ : « فَرضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زكاة الفِطر ؛ صاعًا مِنْ تمر أوْ صاعًا مِنْ شعير على العَبد والحُر والذَّكر والأُنثى والصَّغير
والْكَبير مِنَ المسلمين ، وأَمرَ بها أنْ تُؤدَّىٰ قبل خروج النَّاسِ إلى الصَّلاة » (3) ،
وقالَ أبو سعيدٍ الخدريُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : « كنَّا نُعطيها فيِ زمن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاعًا مِنْ طعام
أوْ صاعًا مِنْ تمر أوْ صاعًا مِنْ شعير أوْ صاعًا مِنْ زبيب » ،
وفِي روايةٍ : « أوْ صاعًا مِنْ أقط » (4) .
فهٰذه سُنَّة مُحمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّمَ فِي زكاة الفِطر .
ومعلومٌ أنَّ وقت هـٰذا التَّشريع وهـٰذا الإخراج يُوجد بيد المسلمين - وخاصَّة مجتمع المدينه - الدِّينار والدِّرهم
اللَّذان هُما العُملة السَّائِدة آنذاك ؛ ولم يذكرهما صَلوات اللهِ وسَلامهُ عَليْه في زكاة الفِطر ،
فلو كان شَيْءٌ يُجزئ فيِ زكاة الفِطر منهما لأبانه صَلَوَاتُ اللهِ وسَلَامُهُ عَلَيْهِ ؛ إذْ لا يجوز تأخير البيان عَنْ
وقت الحاجة ، ولو فعل ذٰلك لنقلهُ أصْحَابه رَضِيَ اللهُ عَنْهُم .
وما وردَ فِي زكاة السَّائِمة مِنَ الجبران المعروف مشروط بعدم وجود ما يجب إخراجه ، وخاص بما ورد فيه ،
كما سبق أنَّ الأصل في العبادات التَّوقيف ؛ ولا نعلم أنَّ أحدًا مِنْ أصحاب النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أخرجَ النُّقود في زكاة الفِطر ، وهُم أعلمُ النَّاس بِسُنَّته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحْرصَ النَّاس على العملِ بها ،
ولو وقع منهم شَيءٌ مِنْ ذٰلك لنُقِلَ كما نُقِلَ غيرهِ مِنْ أقوالهم وأفعالهم المتعلقة بالأُمور الشَّرعيَّة ،
وقد قالَ اللهُ سُبْحَانَهُ : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ « الأحزاب : 21 » الآية .
وقالَ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ « التَّوبة : 100 » .
وممَّا ذكرنا يَتَّضِح لِـ صَاحب الحقِّ : أنَّ إخراج النُّقود فِي زكاة الفِطر لا يجوز ولا يُجزئ عمَّن أخرجه ؛
لكونه مُخالفًا لما ذُكِرَ مِنَ الأَدلَّةِ الشَّرعيَّة .
وأسْألُ اللهُ أنْ يُوفِّقنا وسَائر المسْلمين للفِقْه فِي دِينه والثَّبات عَليهِ والحذر مِنْ كلِّ مَا يُخالف شرعه ،
إنَّهُ جوادٌ كريمٌ ، وصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ علىٰ نَبيِّنا مُحمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ .اهـ.
الرَّئيس العام لإدارات البُحوث العلميَّة
والإفتاء والدَّعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
..............................
منقول