يعتبر حي الشيخ سعد تاريخيا احد أحياء بلدة جبل المكبر، ويصل عدد سكانه إلى ما يقرب من 1900 نسمة، من بينهم عشر عائلات فقط تحمل بطاقة الهوية الزرقاء، بينما البقية هم من حملة الهوية الفلسطينية.
في حين بلغ عدد سكان الشيخ سعد قبل إغلاق حيهم نحو 5000 نسمة، غالبيتهم من حملة الهوية الزرقاء، ولكن إغلاق المدخل الذي يربط حي الشيخ سعد ببلدة جبل المكبر بحاجز ترابي ، دفع المقدسيين من حملة البطاقة الزرقاء إلى هجرة الحي وترك منازلهم خالية، والإقامة في حي جبل المكبر حفاظا على إقامتهم في المدينة وعلى حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية فيها.
أقيم قبل أربع سنوات حاجز عسكري وبوابة، يمكن اجتيازهما فقط مشيا على الأقدام، ولا تستطيع السيارات الدخول إلى الحي لان الحاجز غير مؤهل لذلك فهو عبارة عن ممر للمشاة فقط !
وعانى السكان من مزاجية الجنود الذين يتحكمون بدخول أو خروج المواطنين ، وكثيرا ما كان الجنود يشككون بمصداقية التصريح الذي يحمله المواطن لكي يتمكن من الخروج أو الدخول إلى الحي، وكان الجنود يطلبون من المواطنين الذهاب إلى حاجز الزيتون بالعيزرية، لكي يتمكنوا من الوصول لمدينة القدس.
بينما عزل جدار الفصل الحي عن بلدة جبل المكبر، وقطع عملية التواصل الاجتماعي بين العائلات الفلسطينية هناك والتي تربطها صلة قرابة ومصاهرة في كلا المنطقتين، وبات المواطنون حملة الهوية الفلسطينية من حي الشيخ سعد بحاجة لتصريح للوصول إلى بلدة جبل المكبر لكي يتمكنوا من الزيارات الاجتماعية.
ويطالب سكان الشيخ سعد منذ سبع سنوات بإزالة البوابة العسكرية والسماح بإعادة التواصل الاجتماعي بين العائلات الفلسطينية في كلا المنطقتين، وكانت المحكمة العليا قررت في وقت سابق بأنه يحق لأهالي المنطقتين التواصل اجتماعيا على مدار 24 ساعة ، ولكن هناك غموض في غموض تنفيذ القرار ، فهل ستكون التصاريح التي يتم منحها لفئات مختلفة من سكان الحي هي الآلية للوصول إلى جبل المكبر ؟ وهل سيتم السماح السيارات من كلا الجانبين بالتنقل ؟
ويرى سكان هذا الحي بأن القرار لا يحدث نقلة نوعية في العلاقة بين سكان حي الشيخ سعد وبلدة جبل المكبر، فقبل صدور قرار المحكمة الأخير كان الفلسطينيون يتنقلون بين كلا الجانبين سواء حملة التصاريح أو الهوية الزرقاء من سكان جبل المكبر !!
العلاج الطبي !
يعتمد السكان في الحصول على العلاج على المستشفيات العربية في القدس، وهم بذلك يحتاجون لتصاريح خاصة للوصول إلى تلك المستشفيات، والمشكلة أن ذلك يحتاج إلى تقارير طبية، وإذا ما تبين أن الطبيب المختص يدير أو يعمل في عيادة في الضفة الغربية، لا يمنح تصريح لمقدم الطلب ويطلب منه التوجه إلى مدينة رام الله، ما يضيف أعباء اقتصادية على الفرد أو الأفراد الذين يرغبون بتلقي خدمة العلاج ، فبدل أن يدفع المواطن تكلفة 18 شيقل للوصل إلى مستشفى المقاصد أو المطلع في كلا الاتجاهين ،عليه أن يتحمل تكاليف المواصلات البالغة 50 شيقل ، حيث يتم المرور بطريق ترابية غير مؤهلة للسيارات وغير معبدة تربط حي الشيخ سعد ببلدة السواحرة الشرقية ومن ثم إلى بلدة أبو ديس فمدينة رام الله.
في حين توجد في الحي عيادتان، إحداهما تابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية وتعمل لمدة ثلاث ساعات على مدار يومين، وهي بمثابة مركز إسعاف أولي، حيث لا يوجد أدوية للأمراض المزمنة. والعيادة الأخرى تابعة للمجلس المحلي وتعمل لمدة خمس ساعات في اليوم، ولكن تفتقر لمواصفات العيادة الطبية من حيث المعدات حيث لا يوجد بها أدوات خياطة جروح.
إعاقة مرور المرضى: إفادة وشهادة
وفي إفادة إلى مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية يروي المواطن عصام خليل إبراهيم عويسات كيف يعيق جنود الاحتلال المرضى من سكان الحي ومن بينهم والده الذي أصيب ذات يوم بجلطة فيقول: "عند حوالي الساعة 12 بعد منتصف ليلة يوم الخميس الموافق 1/4/2010 ، شعر الوالد بآلام في القلب، وتوقف يده اليسرى عن الحركة، وكذلك صعوبة بالنطق، وعلى الفور حملته أنا وأشقائي الثلاثة إلى الحاجز العسكري –بوابة الشيخ سعد- بواسطة سيارتنا الخاصة، ولكن الجنود قالوا لنا انه لن يسمح لنا بالمرور بسبب فرض إغلاق شامل على الضفة الغربية بمناسبة عيد الفصح، رغم حيازة والدي تصريح مرور ، وبقينا نجادل الجنود لمدة نصف ساعة تقريبا، بينما كنا قلقين عليه من حصول مضاعفات صحية تؤدي إلى سوء حالته، وبعد نصف ساعة تقريبا قال لنا الجنود ، انه مسموح ذهاب والدي إلى المستشفى ولكن لوحده ! فقلت له كيف ؟ وهو على الأغلب مصاب بجلطة وبحاجة لمرافق !؟ وبالصدفة مرت سيارة تكسي ترخيص قدس من المكان، فلوحت للسائق بيدي وأنا داخل البوابة وطلبت منه التوقف ونقل والدي إلى المستشفى ، وفي المستشفى تبين إصابة والدي بجلطتين على القلب.
وقال الأطباء إن إعاقة مرور والدي على الحاجز أدت إلى حدوث الجلطة الثانية حيث أصيب فيها قبل 7 دقائق من وصوله إلى المستشفى . حيث توقف قلبه عن العمل وأجريت عملية إنعاش للقلب ، تلاها عملية قسطرة.
أما المواطنة عزيزة حسن علان (63 عاما) فروت في إفادة شفوية للمركز كيف أعاق الجنود وصول نجلها إلى مستشفى المقاصد بقولها:" ابني ماهر 44 عاما مريض بالقلب منذ تاريخ 16-3-2010، وهو المعيل الوحيد للأسرة المكونة من أطفاله الأربعة ووالديه وأخته، بينما زوجي مصاب بالجلطة منذ عام 2000 ، وفي يوم 6-3-2010 أصيب بوعكة صحية ، حيث هبط الضغط وبدأ يستفرغ فطلبت سيارة خاصة لكي يتم نقله إلى بوابة الشيخ سعد العسكرية ، ولكن الجنود رفضوا السماح لنا بالمرور بسبب عدم وجود تصاريح مرور معي ومع زوجي ،ومكثنا حوالي الساعة وأنا أحاول إقناع الجنود بسوء حالته بينما كان ينتظر داخل السيارة وهو مصاب بجلطة وفاقد القدرة على النطق، فيما أصيبت يده اليمنى بالشلل ويستخدم العكاز في تنقلاته داخل البيت فقط، وبعد ذلك توجهنا إلى عيادة صحية تابعة لجمعية المقاصد الخيرية بالعيزرية حيث تلقى العلاج هناك".
وتضيف:" لي أشقاء وشقيقات في جبل المكبر ، ولا استطيع زيارتهم إلا بواسطة تصاريح خاصة وفي مناسبات خاصة ، وأخر مرة تمكنت فيها من زيارة أخي علي عندما توفيت زوجته قبل 9 شهور، وفي أحيان كثيرة يطلب مني الجنود التوجه إلى حاجز الزيتونة بالطور لأن مكان إقامتي حسب بطاقة الهوية السواحرة الشرقية.
التعليم!
يوجد في الحي مدرستان ثانويتان إحداهما للبنين والأخرى للبنات تتبعان للأوقاف الإسلامية يدرس فيهما حوالي 350 طالبا وطالبة ، وهناك 150 طالبة وطالبة يفضلون الدراسة بمدارس البلدية في جبل المكبر ، ويحتاج الطالب من عمر 16 فما فوق إلى تصريح تعليم للمرور عبر الحاجز .ويتميز تصريح التعليم عن تصريح العمال في أن الطالب يستطيع المرور حتى في وقت الإغلاق الذي يفرض على الضفة الغربية.
كما يوجد معلمون من حملة الهوية الزرقاء يعملون في مدارس الشيخ سعد ، ويعبرون البوابة العسكرية ذهابا وإيابا، وهم من سكان جبل المكبر .
ورغم انه يسمح لطلاب الضفة الغربية الدراسة في جبل المكبر إلا أنهم يعانون من عملية الازدحام في الصباح، خاصة أن عملية الدخول تتم ببطء نتيجة تلكؤ جنود البوابة في عملية التفتيش مما يؤدي إلى تأخر الطلاب عن الالتحاق في المدرسة بالوقت المناسب .
العمال
في حين يعتمد السكان في معيشتهم على العمل داخل مدينة القدس حيث يعمل 100 عامل منهم العمال 1800 فرد هم ما تبقى من سكان الحي !
المواصلات :
لا يمكن أن نطلق على الطريق الترابي الواصل بين الشيخ سعد والسواحرة الشرقية طريقا رئيسيا ، لأنه بالأصل طريق زراعي ترابي ، يتأثر بالأمطار شتاء فيصبح كثير الانزلاق ، ومغبر صيفا يعيق الرؤية ، ويشكل خطرا على حياة المسافرين ، وفي أحيان كثيرة عندما تشتد حدة الأمطار وتسوء الأحوال الجوية يرتفع منسوب المياه العادمة عند الجسر الواصل بين البلدتين ولا يمكن سلوك هذا الطريق في السيارة أو مشيا على الأقدام، وينقطع الحي عن العالم الخارجي .
ولا توجد شبكة مواصلات منتظمة وفعالة في الحي ، حيث يعتمد المواطنون في تنقلهم على سيارات غير مرخصة أو مؤمنة ، وهي سيارات خاصة تعود لسكان الشيخ سعد ، ويرفض أي سائق من خارج الحي العمل على خط الشيخ سعد لما يسببه ذلك من ضرر على المركبات.
الأوضاع الاقتصادية
كانت تتم عملية التبادل التجاري عن طريق الحاجز العسكري الواصل بين حي الشيخ سعد وبلدة جبل المكبر ، ولكن بعد إقامة البوابة العسكرية في المكان، توقفت عملية نقل البضائع عبر الحاجز وتحولت إلى السواحرة الشرقية عبر الطريق الزراعي المشار إليه أعلاه، وهي عملية شاقة، وتتطلب وقت وجهد ، خاصة أن عملية نقل البضائع تتم على مراحل، لأنه ليس بإمكان السيارات نقل البضاعة الثقيلة في حمولة واحدة.وهناك محل تجاري – سوبر ماركت – يملكها فريد أبو ادهيم أغلق قبل أربع سنوات بسبب صعوبة نقل البضائع وهجرة معظم السكان ، وكان هذا المحل يقع على مدخل البلد الرئيس.
جمع النفايات
منذ عام بدأت مديرية الحكم المحلي الفلسطيني في جمع النفايات في حاويات كبيرة، ويتم التخلص منها في مكان بعيد عن الحي، ولكن قبل ذلك كان يتم إفراغ حمولة النفايات في داخل الحي.
المياه العادمة
ولكن المشكلة في المياه العادمة الموجودة في وادي قدرون والذي يعتبر مكرهة صحية ، ومصدر هذه المكرهة الصحية مستوطنة ارمون هنتسيف المقامة على أراضي جبل المكبر وتصب في وادي قدرون .
ولا توجد شبكة تصريف صحي داخل الحي ، ويعتمد السكان على إقامة "جور" خاصة في كل منزل للتخلص من مياه المجاري ، ويتم التخلص منها فيما بعد بواسطة سيارات ضخ خاصة، ولكن المشكلة أن تلك السيارات لا تستطيع الوصول إلى بعض الحارات داخل الحي نتيجة الطرق الضيقة ، فلجأ سكان تلك الأحياء إلى استعمال ماتورات سحب خاصة ، يتم تفريغها في الأودية المحيطة بالحي ، وأحيانا في حديقة أو منزل الجيران الأمر الذي يخلق مشاكل اجتماعية بين السكان .
المقبرة
يدفن أهالي الحي موتاهم في مقبرة بلدة جبل المكبر والتي كان الحي جزء منها قبل إقامة الجدار الذي فصل المقبرة عن الحي، وتتطلب عملية دفن الميت في المقبرة الحصول على تصريح وإذن رسمي من سلطات الاحتلال تسمح بالدفن وبمرافقة الأقارب من الدرجة الأولى فقط للجثمان
العلاقات الاجتماعية
لقد كان حي الشيخ سعد على مر الزمان جزء من بلدة جبل المكبر أي جزء من مدينة القدس المحتلة ، إلا أن جدار الفصل العنصري ، والذي ترافق مع إقامة البوابة العسكرية –الحاجز- أدى إلى تقطيع أواصر العلاقات الاجتماعية بين الأسرة الواحدة ، حيث حرم الأب والأم حملة الهوية الفلسطينية من التواصل مع البنات المتزوجات بمواطنين من حملة الهوية الزرقاء في جبل المكبر ، وأن الوالدان اللذان لا يحوزان على تصاريح مرور ، والبنات لم يحصلن بعد على لم الشمل بموجب عملية الزواج ، فإنهم لا يتمكنون من رؤية بعضهم إلا في الأعياد والمناسبات الخاصة بموجب تصاريح خاصة تصدرها سلطات الاحتلال وتمنح للبنات وليس للآباء ، في حين يتمكن حملة الهوية الزرقاء من زيارة الأقارب لأنهم ليسوا بحاجة إلى تصاريح مرور إذا كان العنوان المكتوب في الهوية : سكان جبل المكبر".
ونتيجة سياسة الفصل "العنصري" المتمثلة بإقامة البوابة والجدار، فقد تراجع حق اختيار شريك الحياة - الزوج أو الزوجة المناسبة، وبات الشبان والفتيات من جبل المكبر يعزفون عن الزواج من فتيات وشباب حي الشيخ سعد من حملة الهوية الفلسطينية، لكي لا يدخلوا في دوامة لم الشمل وسياسة التصاريح وتسجيل المواليد، خاصة أن العلاقة بين حي الشيخ سعد وجبل المكبر أصبحت تشبه العلاقة بين أهالي هضبة الجولان المحتل والوطن الأم سوريا.