قرر خالد السفر معها .. فهي لا تريد السفر من غير محرم .. ركبوا في طائرة تابعة للخطوط الروسية ..
وركبت هي بحجابها الكامل !! وجلست بجانب زوجها شامخة بكل عزة ..
قال لها خالد : أخشى أن نقع في إشكالات بسبب حجابك ..
قالت : أنت الآن تريد مني أن أطيع هؤلاء الكفرة ! وأعصي الله ..
لا .. والله .. فليقولوا ما شاءوا ..
بدأ الناس ينظرون إليها ..
وبدأت المضيفات يوزعن الطعام .. ومع الطعام الخمر ..
وبدأ الخمر يعمل في الرؤوس .. وبدأت الألفاظ النابية .. توجه إليها من هنا وهناك ..
فهذا يتندر .. وذاك يضحك .. والثالث يسخر ..
ويقفون بجانبها .. ويعلَّقون عليها..
وخالد ينظر إليهم .. لا يفهم شيئاً ..
أما هي فكانت تبتسم وتضحك ..
وتترجم له ما يقولون ..
غضب الزوج ..
فقالت : لا .. لا تحزن .. ولا يضِق صدرك .. فهذا أمر بسيط ..
في مقابل ما جابهه الصحابة .. وما حصل للصحابيات من بلاء وابتلاء ..
صبرت هي وزوجها .. حتى وصلت الطائرة .. في روسيا ..
قال خالد :
عندما نزلنا في المطار .. كان أظن أننا سنذهب إلى بيت أهلها ..
ونسكن عندهم ثم بعد ذلك ننهي إجراءاتنا ونعود ..
لكن نظرة زوجتي كانت بعيدة ..
قالت لي : أهلي ( آرثوذوكس ) متعصبون لدينهم .. فلا أريد أن أذهب الآن !
لكن نستأجر غرفة .. ونبقى فيها ..
وننهي إجراءات الجواز .. وقبيل السفر نزور أهلي ..
فرأيت أن هذا رأياً صواباً ..
استأجرنا غرفة وبتنا فيها ..
ومن الغد ذهبنا إلى إدارة الجوازات ..
دخلنا على الموظف فطلب الجواز القديم وصور للمرأة ..
فأخرجت له صوراً لها بالأسود والأبيض .. ولا يظهر منها إلا دائرة الوجه فقط ..
فقال الموظف : هذه صورة مخالفة .. نريد صورة ملونة .. يظهر فيها الوجه والشعر والرقبة كاملة !!
فأبت أن تعطيه غير هذه الصور ..
وذهبنا إلى موظف ثانٍ .. وثالث .. وكلهم يطلبون صوراً سافرة ..
وزوجتي تقول : لا يمكن أن أعطيهم صورة متبرجة أبداً ..
فرفض الموظفون استقبال الطلب ..
فتوجهنا إلى المديرة الأصلية .. فاجتهدت زوجتي أن تقنعها بقبول هذه الصور ..
وهي تأبى ..
فأخذت زوجتي تلح وتقول : ألا ترين صورتي الحقيقية .. وتقارنينها بالصور التي معك .. المهم رؤية الوجه .. الشعر قد يتغير .. هذه الصور تكفي ؟!
والمديرة تصر على أن النظام .. لا يقبل هذه الصور ..
فقالت زوجتي : أنا لن أحضر غير هذه الصور .. فما الحل ؟
قالت المديرة : لن يحل لكم الإشكال إلا مدير الجوازات الأصلية الكبرى في موسكو ..
فخرجنا من إدارة الجوازات .. فالتفتت إليَّ وقالت : يا خالد نسافر إلى موسكو ..
عندها قلت لها : أحضري الصور التي يريدون ..
ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها .. فاتقوا الله ما استطعتم ..
وهذه ضرورة .. والجواز سيراه مجموعة من الأشخاص فقط .. للضرورة ..
ثم تخفينه في بيتك إلى أن تنتهي مدته .. دعي عنك المشاكل .. لا داعي للسفر إلى موسكو ..
فقالت : لا .. لا يمكن أن أظهر بصورة متبرجة ..
بعد أن عرفت دين الله سبحانه وتعالى ..
في موسكو ..
أصرَّت عليَّ فسافرنا إلى موسكو .. واستأجرنا غرفة وسكنَّاها ..
ومن الغد ذهبنا إلى إدارة الجوازات ..
دخلنا على الموظف الأول فالثاني فالثالث وفي نهاية المطاف ..
اضطررنا للتوجه إلى المدير الأصلي ..
دخلنا عليه .. وكان من أشد الناس خبثاً !
عندما رأى الجواز .. أخذ يقلب الصور .. ثم رفع رأسه إلى زوجتي وقال :
من يثبت لي أنكِ صاحبة هذه الصور ؟؟
يريدها أن تكشف وجهها ليراها ..
فقالت له : قل لأحد الموظفات عندك .. أو السكرتيرات .. تأتي فأكشف وجهي لها ..
وتطابق الصور .. أما أنت فلن تطابق الصور .. ولن أكشف لك وجهي ..
فغضب الرجل ..
وأخذ الجواز القديم .. والصور .. وبقية الأوراق .. وضم بعضها إلى بعض ..
وألقاها في درج مكتبه الخاص ..
وقال لها : ليس لكِ جواز قديم .. ولا جديد إلا بعد أن تأتين إليَّ .. بالصور المطابقة تماماً .. ونطابقها عليك ..
أخذت زوجتي تتكلم معه .. تحاول إقناعه .. ويتكلمان بالروسية .. وأنا أنظر إليهما .. لا أفهم شيئاً .. لكني غضبت .. ولا أستطيع أن أفعل شيئاً ..
وهو يردد : لا بد من إحضار الصور على شروطنا ..
حاولت المسكينة إقناعه .. ولكن لا فائدة ! فسكتت وظلت واقفة ..
التفتُّ إليها .. وأخذت أعيد عليها وأكرر : يا عزيزتي .. لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .. ونحن في ضرورة .. إلى متى نتجول في مكاتب الجوازات ..
فقالت لي : ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ..
اشتد النقاش بيني وبينها .. فغضب مدير الجوازات وطردنا من المكتب ..
خرجنا نجر خطانا .. وأنا بين رحمة بها .. وغضب عليها ..
ذهبنا لنتدارس الأمر في غرفتنا .. أنا أُحاول إقناعها .. وهي تحاول إقناعي ..
إلى أن أظلم الليل .. فصلينا العشاء .. وأنا مشغول البال على هذه المصيبة ..
ثم أكلنا ما تيسر ..
ووضعت رأسي لأنام ..كيف تنام .. فلما رأتني كذلك .. تغير وجهها ..
ثم التفتت إليَّ وقالت : خالد .. تنام !! قلت : نعم .. أما تحسين بالتعب ..!!
قالت : سبحان الله .. في هذا الموقف العصيب تنام !!
نحن نعيش موقفاً يحتاج منا إلى لجوء إلى الله ..
قُم إلجأ إلى الله فإن هذا وقت اللجوء ..
فقمت .. وصليت ما شاء الله لي أن أصلي .. ثم نمت ..
أما هي فقامت تصلي .. وتصلي ..
وكلما استيقظت .. نظرت إليها .. فرأيتها إما راكعة ..
أو ساجدة .. أو قائمة .. أو داعية .. أو باكية .. إلى أن طلع الفجر ..
ثم أيقظتني ..
وقالت : دخل وقت الفجر .. فهلُّم نصلي سوياً ..
فقمت .. وتوضأت .. وصلينا .. ثم نامت قليلاً ..
وبعدما طلعت الشمس ..
استيقظت .. وقالت : هيا لنذهب إلى الجوازات !!
فقلت لها : نذهب إلى الجوازات !! بأي حجة ؟! أين الصور ؟؟.. ليس معنا صور ؟!
قالت : لنذهب ونحاول .. لا تيأس من روح الله .. لا تقنط من رحمة الله ..
فذهبنا .. ووالله ما إن وطأت .. أقدامنا أول مكتب من مكاتب الجوازات ..
ورأوا زوجتي وقد عرفوا شكلها من حجابها ..
وإذا بأحد الموظفين ينادي : أنت فلانة ؟
قالت : نعم !
قال : خذي جوازكِ ..
فإذا هو مكتمل تماماً .. بصورها المحجبة ..
فاستبشرت .. والتفتت إليَّ وقالت : ألم أقل لك " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " ..
فلما أردنا الخروج ..
قال الموظف : لابد أن تعودوا إلى مدينتكم التي جئتم منها .. وتختموا الجواز منها ..
فرجعنا إلى المدينة الأولى .. وأنا أقول في نفسي .. هذه فرصة لتزور أهلها قبل سفرنا من روسيا ..
وصلنا إلى مدينة أهلها .. استأجرنا غرفة .. وختمنا الجواز .. رحلة العذاب ..
ثم ذهبنا لزيارة أهلها .. وطرقنا الباب ..
كان بيتهم قديماً متواضعاً .. يبدوا الفقر على سكانه ظاهراً ..
فتح الباب أخوها الأكبر .. كان شاباً مفتول العضلات ..
فرحت المسكينة بأخيها .. وكشفت وجهها وابتسمت .. ورحبت !
أما هو فأول ما رآها........